-13- إيمان و للألسنة إيمان ، فإيمان القلوب هو أصح الإيمان ، بإقرار القلوب هو أصح الإقرار ، وإنكار القلوب هو أعظم الإنكار ، إلا أن المنكر بقلبه يجزيه الإقرار بقلبه ، و الشاك بقلبه يجزيه اليقين بقلبه ، والمنكر بلسانه لا يجزيه إلا الإقرار بلسانه ، ولا يكون مؤمنا بدون الإقرار بلسانه ، فإذا كان قد بلغ إلى حد الإنكار بلسانه ، أو جاحدا بوجه من الوجوه ، وثبت عليه حكم الإنكار ، لم يجزه إلا الإقرار باللسان ، إذا بلغ إلى ذلك طوله ، ووصل إليه حوله ، وإن منع ذلك بعذر من أسباب العذر أجزأ ذلك بقلبه ، ولو أنكر ذلك بلسانه وآمن به قلبه للعذر الواجب له ، وذلك قول الله - تعالى - (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان )(1) فقد صح له الإيمان بالقلب ، ولو أنكر ذلك باللسان ، وجحد ذلك باللسان ، للعذر القائم .
وكذلك إن عدم الكلام بعاهة في اللسان ، وقد كان جاحدا قبل ذلك فرجع إلى تصديق ما أنكر بقلبه ، أجزأه ذلك دون اللسان ، للعذر الذي نزل به في حكم الإيمان ، وإنما يصح معنا هذا القول في أهل الإنكار ، ألا ترى أنه يقول إذا أقر بهذا ، خرج من الشرك بجملته ، ودخل في الإيمان بجملته ، و إلا فلا يخرج من الشرك ، ألا ترى أنه إنما ذلك على من وجب عليه اسم الشرك .
وأما من وجب له اسم الإيمان ، في أصل ما أخذ له وعليه من العهد والميثاق ، فلا يلحقه معنا حكم الأثر ، ولا حكم القول والخبر ، ولو كان ذلك كذلك ما صح له إقرار ولا أحكام الإقرار ، ولو كان في دار الإقرار حتى يعلم منه ذلك بلسانه ، ولكان في حال ما يجهل منه ذلك بعد بلوغ سنه ، وصحة عقله في حال الشرك ، لا تجوز منه مناكحة ولا موارثة ولا أكل ذبيحته ، حتى يعلم منه ما يخرج به من الإنكار إلى الإقرار ، ومن الشرك إلى الإيمان ، وهذا ما لا يجوز في أصل الحق في إجماع الأمة ، بل الأمة بأسرها إلا ما شاء
-14-
__________
(1) - جزء الآية (06 ا) من سورة النحل.
مخ ۱۴