300

انتصار

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

ژانرونه

فقه

وقولنا: على أحد المجوزين؛ لأن الظن إنما يكون متعلقا بصفات الشيء وأحكامه ولا يكون متعلقا بأصل حقيقته أصلا، فالأمران المجوزان إنما يكونان في الصفات والأحكام، ولهذا فإن زيدا يمكن أن يكون في الدار ويمكن أن يكون في المسجد، فإذا أخبرك مخبر بكونه في أحدهما فقد غلب خاطرك على ما كان ممكن الوقوع وهو كل واحد من الأمرين.

وقولنا: ظاهري التجويز، نحترز به عن اعتقاد التقليد فإن المقلد وإن كان يجوز خلاف ما هو عليه من التقليد، لكن تجويزه ليس ظاهرا جليا، بل هو مصمم على ما قد اعتقده من ذلك، وإن جوز خلافه فإنما هو من حيث كونه ممكنا في ذاته لا أن المقلد يعتقده ويظهر اعتقاده، وإنما تجويزه يكون خفيا غامضا، فهذه ماهية الظن.

فإذا تمهدت هذه القاعدة، فاعلم أن الظن المراعى في تقرير الأحكام الشرعية والتكاليف العملية ضربان، نذكر ما يتعلق بحقائقهما بمعونة الله تعالى:

الضرب الأول منهما: الظن المطلق، وهو ما يكون تغليبا لأحد مجوزيه من غير أن يكون فيه قوة تقارب العلم، وهذا نحو أن يخبر مخبر ثقة، بأن زيدا في الدار، فإن ما هذا حاله من الأمارات محرك للقلب في إثارة الظن وإحداثه، لمكان هذه الأمارة، وعلى مثل هذا تجري الأخبار المستعملة في أحكام الشريعة في الإيجاب والندب والكراهة والإباحة وأنواع التحليلات والتحريمات في جميع الفتاوى والأقضية والأحكام المستنبطة من تلك الأحكام.

الضرب الثاني: الظن الذي يقارب العلم، وهذا نحو أن يخبر مخبر ثقة بأن زيدا في الدار، ثم يخبره بعده مخبر آخر بأنه فيها، فما هذا حاله قد حصل الظن المطلق بخبر الثقة الأول، ثم إنه ازداد قوة بالخبر الثاني، فصار مقاربا للعلم بهذا المعنى، ومعنى كونه مقاربا للعلم، هو أنه ربما تقوت هذه الأخبار من جهة الثقات وبالقرائن حتى صار ذلك الظن علما، وخرج عن كونه مظنونا؛ فالمخبر الأول يورث الظن المطلق ويبعث عليه، والمخبر الثاني يقوي الظن ويزيده قوة، ولا تزال هذه القوة تزداد بحسب المخبرين حتى ترتقي إلى درجة الذي لا يجوز خلافه، وربما ازداد قوة أيضا بعد حصول القطع بمخبره إلى أنه يصير ضروريا لا يجوز ورود الشبهة فيه. فهكذا يكون حصول الظن في موارد الشريعة ومصادرها لا محالة.

مخ ۳۰۵