انتصار
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
ژانرونه
وأما الشك: فهو عبارة عن تصور ماهية الشيء وحقيقته من غير أن نحكم عليها بنفي أو إثبات، فمن تصور ماهية العالم وحقيقته من غير أن يحكم عليه بقدم ولا حدوث، فهو شاك فلا تحصل له هذا الصفة إلا متى تصور الماهية وخلا عن اعتقاد حكم من أحكامها، فمتى علم حدوث العالم بالنظر أو بالضرورة أو بالاعتقاد أو بالظن، فقد خرج عن كونه شاكا وكان عالما أو معتقدا أو ظانا، وبطل الشك لانتفاء ماهيته. فقد وضح لك بما ذكرناه ماهية كل واحد من الظن والشك ومعرفة الظن المطلق والظن المقارب.
التنبيه الثالث: في الكلام على الشيخ علي بن الخليل (¬1) والقاضي أبي مضر (¬2) من أصحابنا.
واعلم أنهما قد ذكرا: أن الظن الوارد على المكلف على ثلاثة أقسام:
أحدها: الظن المطلق الذي ليس بغالب.
والثاني: هو الظن الغالب لكنه غير مقارب للعلم.
والثالث: الظن المقارب للعلم.
فإذا كان التجويز الوارد على الشيء والاحتمال الواقع فيه يستوي طرفاه، فإن كل واحد من الاحتمالين ظن، إلا أنه ليس بظن غالب، وإنما هو ظن مطلق، فإذا وجد الرجحان في أحد الاحتمالين على الآخر فإن أرجح الاحتمالين ظن غالب والاحتمال الآخر شك، فإن قوي الرجحان في أحد الاحتمالين وضعف الشك في الاحتمال الآخر فهو ظن غالب مقارب للعلم. ثم جعلا مثال الظن المطلق وهو الشك، الظن بنجاسة سراويل المجوسي. ومثال الظن الذي ليس مقاربا للعلم: أن يخبر مخبر بنجاسة سراويل المجوسي وأنها قد أصابتها نجاسة. ومثال الظن الذي يكون مقاربا للعلم: نحو أن يخبر مخبران وثالث بأن سراويل المجوسي قد أصابتها نجاسة، فإذا اجتمع هذا الخبر إلى الخبر الأول قوي هذا الاحتمال وضعف الاحتمال الآخر جدا، فصار هذا الاحتمال الأرجح والأقوى، ظنا غالبا مقاربا للعلم إلى آخر ما ذكراه في تقرير هذه القاعدة.
واعلم [أن] كلامهما هاهنا، قد وقعت فيه استدراكات عليهما، ونحن نذكرها ونفصل ما قالا فيه بمعونة الله تعالى:
مخ ۳۰۶