مسألة ويجب أن يعلم: أن صدق مدعي النبوة لم يثبت بمجرد دعواه، وإنما يثبت بالمعجزات، وهي أفعال الله تعالى الخارقة للعادة المطابقة لدعوى الأنبياء، وتحديهم للأمم بالإتيان بمثل ذلك.
يبين لك ذلك: أن موسى عليه السلام جاء في زمان سحرة وسحر، فتحداهم بقلب العصا حية، فعلم المحققون منهم في السحر: أن ذلك خارج عن قبيل السحر؛ لعجزهم عن ذلك، وخرقه لعادة السحر، فسارعوا إلى الإيمان، وهذا يدل على فضل العلم من أي نوع كان: فإنه أولى من سارع إلى الإيمان السحرة، لعلمهم بالسحر، فكان في علمهم ذلك وإن كان باطلا فضل كبير على غيرهم من قومهم ممن لا يعلم السحر.
وكذلك عيسى عليه السلام: جاء في زمان قوم طب ومداواة، فأحيا الموتى، وأبرأ الأكمه والأبرص، فأتى بما هو خارج عن قبيل الطب. خارقا للعادة فيه، لا يقدر عليه مخلوق.
وكذلك: نبينا صلى الله عليه وسلم، جاء في وقت فصاحة وشعر وخطب ونظم ونثر، فأتاهم بما هو خارج عن عاداتهم في النظم والنثر، وهو أفصح وأجزل وأوجز، وتحداهم بالإتيان بمثله، فوجدوا ذلك خارجا عن نظمهم ونثرهم وخارقا لعادتهم، فعجزوا عنه فسارع من هداه الله إلى الإيمان به، ولله الحمد والمنة، على الهداية والتوفيق.
### || مسألة
ويجب أن يعلم: أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى كافة الخلق، وأن شرعه لا ينسخ، بل هو ناسخ لجميع من خالفه من الملل.
والدليل على ذلك: ثبوت نبوته، وصدق مقاله، وقد أخبر بجميع ذلك.
واعلم أن أكبر معجزاته القرآن العربي، وفيه وجوه من الإعجاز.
أحدها: ما اختص به من الجزالة، والنظم والفصاحة الخارجة عن أساليب الكلام، وتحدى به فصحاء العرب بأن يأتون بسورة من مثله فعجزوا عن الإتيان بمثله، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، ولم يتأت لهم ذلك في مدة ثلاث وعشرين سنة.
ومن وجوه الإعجاز في القرآن: اشتماله على قصص الأولين، وما كان من أخبار الماضين، مع القطع بأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ، ولم يعهد منه صلى الله عليه وسلم في جميع زمانه تعاط لدراسة كتب ولا تعلمها، وقد نفى عنه سبحانه وتعالى ذلك بقوله: " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " .
ومن وجود الإعجاز: أن اشتمال القرآن على ما لا يحصى من علم غيوب متعلقة بالمستقبل ظاهر جلي، مثل قوله تعالى: " والعاقبة للمتقين " وقوله تعالى. " لتدخلن المسجد الحرام " . ومثل قوله " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " إلى غير ذلك، من وجوه الإعجاز في القرآن كثير جدا.
وله صلى الله عليه وسلم آيات ومعجزات سوى القرآن: كانشقاق القمر، واستنزال المطر، وإزالة الضرر من الأمراض، ونبع الماء من بين أصابعه، وتسبيح الحصى في يده، ونطق البهائم، إلى غير ذلك من المعجزات والآيات الخارقة للعادة صلى الله عليه وسلم رزقنا الله شفاعته، وحشرنا في زمرته.
مسألة
ويجب أن يعلم: أن نبوات الأنبياء صلوات الله عليهم لا تبطل، ولا تنخرم، بخروجهم عن الدنيا وانتقالهم إلى دار الآخرة، بل حكمهم في حال خروجهم من الدنيا كحكمهم في حالة نومهم، وحالة اشتغالهم، إما بأكل أو شرب، أو قضاء وطر.
والدليل عليه: أن حقيقة النبوة: لو كانت ثابتة لهم في حالة اشتغالهم بأداء الرسالة دون غيرها من الحالات، لكانوا في غيرها من الأحوال غير موصوفين بذلك. وقد غلط من نسب إلى مذهب المحققين من الموحدين إبطال نبوة الأنبياء عليهم السلام بخروجهم من دار الدنيا. وليس ذلك بصحيح، لأن مذهب المحققين: أن الرسول ما استحق شرف الرسالة بتأدية الرسالة، وإنما صار رسولا واستحق شرف الرسالة والنبوة بقول مرسله: وهو الله تعالى: أنت رسول ونبيي. وقول الله تعالى قديم لا يزول ولا يتغير.
مخ ۲۰