والدليل على صحة هذا أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم سئل، فقيل له: متى كنت نبيا ؟ فقال: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فحاصل الجواب في هذا: أن شرف النبوة وكمال المنصب ثابت للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين الآن، حسب ما كان ثابتا لهم في حال الحياة، لم ينثلم ولم ينتقص، سواء نسخت شرائعهم أو لم تنسخ، ومن راجع نفسه ولم يغالط حسه عرف وتحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم الآن لم يخاطب شفاها، ولا يأمرهم ولا يكلمهم من غير واسطة، لكن حكم شريعته وصحة نبوته ثابت لم ينتقض، لأجل خروجه من الدنيا، ولم تزل مرتبته، ولا انخرمت رسالته، ولا بطلت معجزته، فاعلم ذلك وتحققه.
مسألة
ويجب أن يعلم: أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدم خلق الله أجمعين، من الأنصار والمهاجرين، بعد الأنبياء والمرسلين: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لقوله تعالى: " ثاني اثنين إذ هما في الغار " ولا أفضل من اثنين ثالثهما الله تعالى لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " وهو الصديق وأصحابه، لما قاتل أهل الردة. ولقوله تعالى: " والذي جاء بالصدق وصدق به " قيل في أصح التفاسير: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق أبو بكر الصديق؛ يؤكد صحة هذا التفسير قوله صلى الله عليه وسلم: قال الناس لي كذبت، وقال أبو بكر صدقت ويدل عليه قوله تعالى: " لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، والله بما تعملون خبير " والصديق رضي الله عنه أول من أنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: إن أمن الناس علي في نفس ومال أبو بكر الصديق، ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء أتمشي أمام من هو خير منك، والله ما طلعت الشمس ولا غربت على رجل بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر، وليس في السماء ولا في الأرض بعد النبيين أو المرسلين خير من أبي بكر. وكان رضي الله عنه مفروض الطاعة، لإجماع المسلمين على طاعته وإمامته، وانقيادهم له، حتى قال أمير المؤمنين علي عليه السلام مجيبا لقوله رضي الله عنه لما قال: أقيلوني، فلست بخيركم. فقال: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ألا نرضاك لدنيانا. يعني بذلك حين قدمه للإمامة في الصلاة مع حضوره، واستنابته في إمارة الحج فأمرك علينا. وكان رضي الله عنه أفضل الأمة، وأرجحهم إيمانا، وأكملهم فهما، وأوفرهم علما، وأكثرهم حلما، وبه نطق قوله صلى الله عليه وسلم: ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر على إيمان أهل الأرض.
ثم من بعده على هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، لاستخلافه إياه، وقد ورد في فضائله رضي الله عنه من الأحاديث ما لا يحصى.
ومن جملة ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر، إن الله ربط الحق بلسان وعمر وقلبه وأيضا: قوله صلى الله عليه وسلم: كادت أنفاس عمر تسبق الوحي لأنه كلمه في أسارى بدر، وأن تضرب أعناقهم، فنزل قوله تعالى: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم " فقال: لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر حين نزل قوله تعالى: " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " وقال: لو حجبت نساءك فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب وقال: عسى ربه إن طلقكن فنزلت الآية في ذلك، وفضله أكثر من أن يحصى.
وبعده: أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، لإجماع المسلمين أنه من جملة الستة الذين نص عمر عليهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عثمان أخي ورفيقي في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم: لو كان لنا ثالثة زوجناكها يا عثمان. وقال صلى الله عليه وسلم: دعوت الله تعالى أن يرفع الحساب عن عثمان ففعل. وقال صلى الله عليه وسلم: من يزيد في المسجد أضمن له الجنة ؟ فزاد فيه عثمان. وقال: من يشتري رومة أضمن له الجنة فاشتراها عثمان وجعلها للمسلمين. وقال: من يجهز جيش العسرة فله الجنة فجهزه عثمان: تسعمائة وخمسين بعيرا، وأتمها ألفا بخمسين فرسا.
مخ ۲۱