ويجب أن يعلم: أن كل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانا، لأن معنى الإسلام الانقياد، ومعنى الإيمان التصديق، ويستحيل أن يكون مصدق غير منقاد، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدق؛ وهذا كما يقال: كل نبي صالح، وليس كل صالح نبيا.
ويدل على صحة هذه الجملة قوله تعالى: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " فنفى عنهم الإيمان وأثبت أن ذلك منهم إسلام لا إيمان. وأيضا: قوله تعالى: " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين " فغاير بين الإسلام والإيمان.
ويدل على صحة هذا القول أيضا. أن الرسول عليه السلام فرق هو وجبريل بين الإسلام والإيمان حين سأله، فقال له ما الإيمان ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره فقال جبريل عليه السلام: صدقت. والمراد بجميع ذلك أن: تصدق بالله ورسوله، إلى آخر ما ذكر، ثم قال له: فما الإسلام ؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن نقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة وهذا واضح في كونهما غيرين، وأن محل الإيمان القلب، وهو التصديق، ومحل الإسلام الجوارح، وهذا الحديث يقوي لك جميع ما ذكرت لك. وأن التصديق متى اختل منه شيء انخرم الإيمان، والقول والعمل يزيد وينقص، فعلى ما قررت لك لا يجوز أن نطلق. فنقول: إيمان أحدنا كإيمان جبريل، ولا كإيمان محمد صلى الله عليه وسلم، ولا كإيمان الصديق رضي الله عنه، بل نمنع من ذلك، ونريد به أن إيمان هؤلاء أفضل وأكمل وأرفع، من طريق الحكم الذي بينت لك، ومن طريق آخر: وهو أنه قد بان لهؤلاء من دلائل الوحدانية أكثر مما بان لنا، فلا نطلق التسوية بين إيمانهم وإيماننا، ولا نريد بذلك أن نصدق بعض ما جاء به الرسل عليهم السلام والصديق يصدق بالجميع، بل لا يصح لأحد إيمان حتى يصدق بالجميع، لكن إيمان الصديق أكمل وأفضل من الوجوه التي بينت لك.
### || ### || ### || مسألة
ويجب أن يعلم: أنه يجوز أن يقول العبد أنا مؤمن حقا ويعني به في الحال، ويجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله ويعني به في المستقبل. فأما في الماضي وفي الحال فلا يجوز أن يقول إن شاء الله لأن ذلك يكون شكا في الإيمان، ولأن الاستثناء إنما يصح في المستقبل، ولا يصح في الماضي، وقد بين ذلك سبحانه وتعالى. في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم: " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا. إلا أن يشاء الله " وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: إنا غدا إن شاء الله نازلون بخفيف بني كنانة ولأن المشيئة لله تعالى سابقة لكل موجود، فلولا المشيئة لما وجد الموجود، فكما لا يجوز أن يستثنى في الحال فلا يجوز أن يقطع في المستقبل. فاعلم ذلك وتحققه.
مسألة
ويجب أن يعلم: أن الاسم هو المسمى بعينه وذاته، والتسمية الدالة عليه تسمى اسما على سبيل المجاز.
والدليل عليه قوله تعالى: " تبارك اسم ربك " ومعناه: تبارك ربك، وأيضا قوله تعالى: " سبح اسم ربك " ولا يشك عاقل أن المسبح هو الله تعالى، لا قول من يقول التسبيح، ويدل عليه قوله تعالى: " ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا الله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون " وقد علمنا أنهم ما كانوا يعبدون الأقوال والتسميات، وإنما كانوا يعبدون الأصنام. فأما قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى وقوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، فالعدد في ذلك راجع إلى التسميات التي هي عبارات الاسم، فالتسمية تدل على الذات حسب دلالة الكتابة على المكتوب، فمن لا يميز بين الاسم والتسمية وبين الكتابة والمكتوب وما جرى هذا المجرى فلا يحل الله له أن يفتي في دين الله تعالى، نعوذ بالله من الجهل بالله تعالى وصفاته.
مسألة
ويجب أن يعلم: أنه يجوز لله تعالى إرسال الرسل وبعث الأنبياء، خلافا لما تدعيه البراهمة.
والدليل عليه أيضا: أنه مالك الملك يفعل ما يشاء، مع ما سبق من أنه ليس في إرسال الرسل استحالة، ولا خروج عن حقائق العقول، فدل على جواز ذلك.
مخ ۱۹