292

وأصدقك القول، فإن كان شيء ينفع لديك فهو في الصدق إن شاء الله أحزن بنا المنزل[ (1) ]، وأجدب الجناب، واكتحلنا السهر، واستحلسنا[ (2) ]الخوف، وضاق بنا البلد العريض، فوقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فقال له الحجاج: كذلك. قال: نعم، أصلح الله الأمير، وأمتع به، قال: فنظر الحجاج إلى أهل الشام فقال: صدق والله يا أهل الشام ما كانوا بررة أتقياء فيتورعوا عن قتالنا، ولا فجرة أقوياء فيقووا علينا، ثم قال: انطلق يا شعبي فقد عفونا عنك، فأنت أحق بالعفو ممن يأتينا وقد تلطخ بالدماء ثم يقول: كان وكان، قال: وكان قد أحضر بالباب رجلان، وأحدهما من بكر بن وائل، والآخر من تميم، وكانا قد سمعا ما قيل للشعبي بالباب أن يقوله، فلما أدخلا. قال الحجاج للبكري: أمنافق أنت؟قال: نعم، أصلح الله الأمير، لكن أخو بني تميم لا يبوء[ (3) ]على نفسه بالنفاق. قال التميمي: أنا على دمي أخدع؟، بل أنا-أصلح الله الأمير-منافق مشرك فتبسم الحجاج وأمر بتخلية سبيلهما.

قال الشعبي: فو الله ما أتى لذلك الأمر إلا نحو من شهرين، حتى رفعت إليه فريضة أشكلت عليه، وهي أم، وجد، وأخت. فقال: من هاهنا نسأله عنها؟ قال: فدل علي، فأرسل إلي، وقال يا شعبي ما عندك في هذه الفريضة، أم، وأخت وجد؟فقلت: أصلح الله الأمير. قال فيها خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال: من قال فيها؟قلت: قال فيها علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت. قال: هات ما قال فيها علي. فأخبرته. قال: فما قال فيها ابن مسعود؟فأخبرته، قال: فما قال فيها ابن عباس؟فو الله لقد كان متفقها[ (4) ] فأخبرته. قال: فما قال فيها أمير المؤمنين عثمان؟فأخبرته. قال: فما قال زيد بن ثابت؟قلت: أخذها من تسعة أسهم، فأعطى الأم ثلاثة أسهم، وأعطى الجد أربعة أسهم، وأعطى الأخت سهمين. فلما سمع ما كان من قول كل واحد [ (1) ]في العقد: نبا بنا المنزل وفي المروج: أحزن بنا المبرك.

[ (2) ]استحلسنا الخوف: أي لم يفارقنا.

[ (3) ]لا يبؤ: لا يعترف.

[ (4) ]في مروج الذهب: «متقيا» وفي العقد: «منقبا» .

مخ ۵۷