193

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

وقاموا بتقسيم الغنائم لأن «الأيبيين» كانوا مدينين للكثيرين، إذ كنا قلة في «بولوس» ومضطهدين، نظرا لأن هرقل العتيد كان قد جاء وضيق الخناق علينا في السنوات السابقة، وقتل منا جميع من كانوا أشجعنا. وكنا نحن - أبناء نيليوس المنقطع النظير - اثني عشر، فلم يبق سواي، ومات الباقون جميعا؛ ومن ثم فإن الأيبيين المتسربلين بالبرونز - والمفعمي القلوب زهوا من جراء ذلك - راحوا ينسجون لنا الشر ظلما وطغيانا. فاختار الشيخ نيليوس لنفسه من الغنيمة قطيعا من الأبقار، وقطيعا كبيرا من الأغنام، منتقيا ثلاثمائة رأس، برعاتها، إذ كان دائنا لهم بدين بالغ في أليس العظيمة، هو عبارة عن أربعة جياد من الفائزة في السباق، وعربتها، كانت قد ذهبت إلى أليس لتشترك في سباق على ركيزة، ولكن «أوجياس» ملك البشر احتفظ بها هناك، وأعاد سائقها، حزينا على جياده. فحنق الشيخ من جراء هذه الأمور، سواء الأفعال أو الأقوال، وانتقى لنفسه تعويضا يفوق الوصف. أما الباقي فأعطاه للشعب ليقسموه فيما بينهم بالتساوي؛ ومن ثم فقد رحنا نوزع كل ما كان هناك. وكانت توجد حول المدينة ذبائح لتقدم إلى الآلهة. وفي اليوم الثالث احتشد، بسرعة فائقة، جميع الأيبيين معا. رجال كثيرون وجياد قوية الحوافر، وفي وسطها راح «الموليونيس» الشقيقان يرتديان عدتيهما الحربيتين، بالرغم من أنهما كانا لا يزالان يافعين، لم يحنكا بعد في الأمور التي تتطلب شجاعة هوجاء. فأقام الجميع معسكرهم عند مدينة ثريويسا، والتل المنحدر - المشرفين على ألفايوس - في أقرب منطقة من «بولوس» الرميلة. وعقدوا العزم على تخريب ذلك المكان عن آخره. غير أنهم لم يكادوا ينتشرون في جميع نواحي السهل، حتى أقبلت علينا «أثينا» مسرعة من «أوليمبوس» ليلا، تحمل رسالة مؤداها أننا يجب أن نتأهب للمعركة، فلم يرفض الشعب الذي جمعته في «بولوس» أن يقاتل، بل كان تواقا إلى أن يخوض غمار المعركة في الحال، ولكن «نيليوس» لم يوافق على أن أسلح نفسي، فأخفى جوادي بعيدا، لأنه كان يظن أنني ما زلت غضا حتى ذلك الوقت، لا أدري شيئا من أمور القتال. ومع كل فقد استطعت - بالرغم من ذلك - أن أكون مبرزا بين فرساننا، مع أنني كنت أحارب راجلا؛ إذ هكذا نظمت أثينا القتال. وكنا نحن، فرسان البوليين، ننتظر الفجر اللامع على نهر مينيوس الذي يصب في البحر بالقرب من أريني. وكانت جموع المشاة تتبعنا باستمرار. ومن هناك وصلنا عند منتصف النهار، ونحن متدثرون بعدتنا الحربية، إلى مجرى ألفايوس المقدس، حيث نحرنا ذبائح عظيمة لزوس الأكبر في قوته، وثورا لألفايوس، وثورا لبوسايدون. أما «أثينا» ذات العينين النجلاوين فقد ذبحنا لها عجلة من القطيع. وبعد ذلك تناول الجيش بأسره العشاء في جماعات، واستلقينا لننام، كل رجل في عدته الحربية، حول مجاري النهر المائية. غير أن الأيبيين العظيمي الهمم كانوا يسيرون حول المدينة، تواقين إلى تخريبها عن بكرة أبيها. إلا أنه لاح لهم أن دون ذلك جهدا حربيا جبارا. فلما طلعت الشمس الساطعة على الأرض، صلينا لزوس وأثينا، ثم اشتبكنا في القتال. فلما بدأ صراع البوليين والأيبيين، كنت أول من فاز بقتل غريمه، وأول من استولى لنفسه على جوادي هذا الغريم القويي الحوافر. وكان غريمي هو الرماح «موليوس»، الابن الشرعي لأوجياس، وكان قد تزوج ابنته الكبرى، «أجاميدي» الجميلة الشعر، تلك التي كانت عالمة بجميع الأعشاب التي تنبتها الأرض الفسيحة. فبينما كان مقبلا نحوي، طعنته برمحي البرونزي الطرف، فسقط يتخبط في الثرى. وقفزت فوق عربته، واتخذت وقفتي بين محاربي المقدمة. فاضطر الأيبيون العظيمو الهمم - حين أبصروا الرجل يتردى - إلى الفرار، واحدا إلى هنا، وآخر إلى هناك، حتى قائد الفرسان المبرز في القتال، ولكني هجمت عليهم كالإعصار القاتم، وغنمت خمسين عربة، وتركت حول كل عربة محاربين يعضان الأرض، صريعي رمحي. وكان في مقدوري عندئذ أن أقتل الأخوين «موليونيس» معا، وهما اللذان كانا من دم «أكتور »، لولا أن أباهما، مزلزل الأرض الواسع السلطان، أنقذهما من القتال، وأخفاهما في ضباب كثيف. وما لبث زوس أن بث قوة عظيمة في رجال «بولوس»، لأننا طاردناهم بعد ذلك خلال السهل الفسيح، وشرعنا نقتل الرجال، ونستولي على عدتهم الحربية الرائعة، إلى أن ذهبنا بجيادنا إلى بويراسيوم، الغنية بالقمح، وإلى صخرة أولين، والمنطقة التي يوجد فيها التل المسمى تل أليسيوم، الذي عادت «أثينا» عنده لترد الجيش عن القتال. وإذ ذاك قتلت آخر رجل وتركته ولكن الآخيين عادوا بجيادهم السريعة من بويراسيوم إلى بولوس، وراحوا جميعا يمجدون زوس بين الآلهة، ونسطور بين البشر.

هكذا كانت حالي بين المحاربين، وهكذا كنت على الدوام، ولكن «أخيل» وحده هو الذي كان بوسعه أن يفيد من شجاعته. نعم، إنني أعتقد حقا أنه سيبكي بكاء مرا بعد ذلك، عندما يبيد الشعب. آه يا صديقي، أتذكر ما أمرك به «مينويتيوس»، يوم أن أرسلك من فثيا إلى «أجاممنون»، وكنت أنا و«أوديسيوس» العظيم في الداخل، فسمعنا في الأبهاء كل شيء، وهو يصدر إليك الأمر. إذ جئنا إلى بيت بيليوس المتين البناء، وقد جمعنا الجيش من سائر ربوع أرض أخايا الفسيحة. فوجدنا في المنزل هناك المحارب «مينويتيوس»، كما وجدناك أنت، وبصحبتكما «أخيل». وكان الشيخ بيليوس سائق العربات يحرق فخذي ثور سمين في حظيرة القصر، لزوس الذي يقذف بالصاعقة، وقد حمل في يده كأسا ذهبية، يصب منها الخمر المتألقة، كي تلازم القرابين المحروقة. وكنتما مشغولين حول لحم الثور، فوقفنا ذليلين عند الباب. واستولت الدهشة على «أخيل» فوثب إلينا من مكانه، وأمسك بأيدينا، وقادنا إلى الداخل حيث أمرنا بالجلوس. كما قدم لنا طعاما وافرا. طعاما يليق بالأضياف، فلما تناولنا كفايتنا من الطعام والشراب، كنت أول من تكلم. طلبت إليكما أن تنضما إلينا، فإذا بكما تتحمسان معا لذلك. فأصدر هذان الاثنان إليكما كثيرا من الأوامر. أمر الشيخ بيليوس ابنه «أخيل» بأن يكون أشجع القوم على الدوام، وأن يكون مبرزا على الجميع. وأصدر إليك مينويتيوس بن أكتور، أمره قائلا: «يا طفلي بالمولد، إن أخيل يرجحك نبلا، ولكنك تكبره سنا. وإنه ليفوقك قوة وبطشا بمراحل، ومع ذلك، فهل لك أن تتحدث إليه بالحسنى وبالحكمة وتقدم له النصح، وترشده، ولسوف يكون لك مطيعا من أجل مصلحته.» هكذا أمرك الرجل المسن، ولكنك تنسى! ومع كل، فهل لك الآن أن تتحدث هكذا إلى «أخيل»، الحكيم القلب، عسى أن يستمع لنصحك؟ ومن يدري، فقد تستطيع، بمعونة السماء، أن تثير نفسه بحديثك، فإن إثارة حماس الصديق أمر محمود. أما إذا كان يتحاشى، في سريرته، نبوءة ما، أو إذا كانت أمه الجليلة قد أعلنته بشيء من لدن زوس، فدعه مع ذلك يرسلك إلى الأمام، ودع بقية جيش «المورميدون» تتبعك، لعلك تستطيع أن تحقق بعض الخلاص للدانيين. ودعه يعطك عدته الحربية الرائعة، كي ترتديها في القتال، حتى يظنك الطرواديون «أخيل» نفسه، وبذلك ينأون عن المعركة، فيتمكن أبناء الآخيين الجسورين من أن يتنفسوا الصعداء، رغم ما هم عليه من تعب، نظرا لأن وقت الراحة قليل في المعركة. وعلى ذلك تستطيعون أنتم، يا غير المتعبين، أن تدفعوا - بسهولة - الرجال المتعبين من ميدان القتال إلى الوراء، إلى المدينة، بعيدا عن السفن والأكواخ.»

هكذا قال، فأثار الحمية في قلب «باتروكلوس»، فطفق يجري بمحاذاة صف السفن حتى بلغ أخيل بن أياكوس. بيد أنه لما وصل باتروكلوس في جريه إلى سفن «أوديسيوس»، الشبيه بالإله، حيث كان مكان اجتماعهم ومكان توزيع الأقدار والمصائر، وحيث كانوا قد شيدوا مذابح للآلهة، هناك التقى مع يوروبولوس، سليل زوس وابن يوايمون، مصابا في فخذه بسهم، وهو يعرج خارجا من المعركة. وكان العرق يتصبب من رأسه وكتفيه كأنه الأنهار المتدفقة، بينما كان الدم القاتم ينبثق من جرحه الخطير. على أن نفسه لم تكن قد اهتزت. فلما أبصره ابن مينويتيوس على تلك الحال، رثى لحاله وأشفق عليه، وأخذته العبرات وهو يقول له بكلمات مجنحة: «أسفي عليكم أيها المساكين، يا قادة وسادة الدانيين. إذن فهكذا قدر لكم، أن تشبعوا كلاب طروادة السريعة بلحومكم البيضاء، بعيدا عن أصدقائكم ووطنكم. ولكن، خبرني يا يوروبولوس، أيها المقاتل المنحدر من زوس ، هل ما زال في استطاعة الآخيين أن يصدوا «هكتور» القوي، أم أنهم سوف يبيدون مقتولين برمحه؟»

فأجابه «يوروبولوس» الجريح، بقوله: «لن يكون هناك بعد الآن يا «باتروكلوس»، يا سليل زوس، أي دفاع للآخيين، فإنهم سوف يلقون بأنفسهم فوق السفن القاتمة؛ لأن جميع من كانوا في الماضي شجعانا صناديد، يرقدون الآن بين السفن مصابين بالسهام أو مجروحين بطعنات رماح الطرواديين، الذين تزداد قوتهم باطراد، ولكن هل لك أن تساعدني، فتقودني إلى سفينتي السوداء، وتخرج السهم من فخذي، وتغسل عن جرحي الدم القاتم بالماء الدافئ، وتضع عليه العقاقير الطبية الشافية، التي يقول الناس إنك قد تعلمت خصائصها من «أخيل»، الذي تعلمها بدوره من «خايرون»،

6

أعظم وحش «قنطور» في البر؟ فإن الطبيبين «بودالايريوس» و«ماخاوون» - على ما أعتقد - يرقد أحدهما جريحا وسط الأكواخ، في مسيس الحاجة إلى طبيب نطاسي، بينما يسهر الآخر وهو يقاوم في معركة الطرواديين الحامية.»

فقال ابن مينويتيوس الجسور: «كيف يمكن لهذه الأمور أن تحدث؟ وماذا ترانا فاعلين أيها المحارب «يوروبولوس»؟ إنني ذاهب الآن لأخبر أخيل، الحكيم القلب، بما كلفني به نسطور الجيريني، الحامي حمى الآخيين. ومع ذلك فإنني لن أتركك على هذه الحال الخطيرة.»

قال هذا، وأمسك راعي الجيش من تحت صدره، وأسنده حتى أوصله إلى كوخه، فلما رآهما خادمه، فرش على الأرض جلود الثيران، ونزع السهم الحاد الطرف من فخذه بسكين، وغسل الدم الأدكن عن الجرح بالماء الدافئ، ووضع فوقه جذورا مرة بعد أن فركها بين يديه. جذورا تقتل الألم. وبذا أزال جميع أوجاعه، وجف الجرح، وامتنع نزف الدم.

الأنشودة الثانية عشرة

«... وكانوا كثرة في العدد، ووفرة في الشجاعة، وكلهم مشوق إلى اقتحام السور، وإحراق السفن، ولكنهم ظلوا مترددين؛ لأن طائرا حلق فوقهم، وفي مخالبه ثعبان ضخم ...»

ناپیژندل شوی مخ