194

ایلیاډه

الإلياذة

ژانرونه

كيف اقتحم الطرواديون وحلفاؤهم سور الآخيين ... إلخ؟

مهاجمة سور الآخيين!

وهكذا كان ابن مينويتيوس الجسور يمرض «يوروبولوس» الجريح، وسط الأكواخ، بينما كان غيره من الأرجوسيين والطرواديين يتقاتلون في جماعات، ولم يعد خندق الدانيين - ومن فوقه سورهم العريض - يحميانهم طويلا. ذلك السور الذي بنوه للدفاع عن سفنهم، وحفروا من حوله خندقا - وإن لم يقدموا الذبائح المئوية للآلهة - كي يضعوا في حدوده سفنهم السريعة وغنائمهم الوفيرة، ويصونوا كل شيء . على أن بناءه كان ضد إرادة الآلهة الخالدة؛ لذلك فإنه لم يمكث طويلا دون تحطيم. فطالما كان «هكتور» حيا، و«أخيل» سادرا في غضبه، ومدينة الملك «بريام» قائمة دون أن تخرب، فإن سور الآخيين العظيم ظل كذلك سليما غير محطم، أما حين مات جميع الطرواديين الفائقي الشجاعة، وكثير من الأرجوسيين - الذين قتل بعضهم وبقي البعض الآخر - ونهبت مدينة «بريام» في السنة العاشرة وعاد الأرجوسيون ثانية في سفنهم إلى وطنهم العزيز، إذ ذاك تشاور «بوسايدون» مع «أبولو» في إزالة ذلك السور، بأن تسلط عليه قوة جميع الأنهار التي تنبع من جبال أيدا وتصب في البحر: ريسوس، وهيبتابوروس، وكاريسوس وروديوس، وجرانيوكس، وأيسيبوس، وسكاماندر العظيم، وسيمويس، التي سقطت على شطآنها تروس كثيرة من جلد الثور هوت فوق الثرى، وخوذات عديدة، وكذا صنف من الرجال أنصاف الآلهة. فحول الإله «أبولو» مصبات هذه الأنهار معا، ولمدة تسعة أيام راح يسلط فيضانها ضد السور، كما ظل «زوس» يرسل المطر سيولا بغير انقطاع، لكي يتم اكتساح السور بمزيد من السرعة نحو البحر المالح. وكان مزلزل الأرض نفسه يحمل في يديه شوكته ذات الشعب الثلاث، ويقود العمل بنفسه، فيجرف جميع الدعامات الخشبية والحجرية التي تعب الآخيون في إرسائها، قاذفا بها وسط الأمواج، حتى جعل كل شيء ممهدا طريق مجرى الهيليسبونت القوي، ومن جديد غطى الشاطئ العظيم بالرمال، بعد أن اكتسح السور بعيدا، وأعاد الأنهار ثانية لتجري في المجاري التي اعتادت من قبل أن تصب فيها مياهها العذبة.

هذا ما صمم بوسايدون وأبولو أن يفعلاه فيما بعد.

1

وأما إذ ذاك، فقد ظلت نار الحرب متأججة، وحمي وطيسها وطنينها حول السور المتين البناء، وراحت دعامات القلاع تدوي، كلما أصيبت. وظل الأرجوسيون - وقد غلبتهم نقمة «زوس» على أمرهم - محاصرين بجوار سفنهم الخاوية، وشلت حركتهم ذعرا من «هكتور»، مدبر الشغب القوي، الذي راح يقاتل كسابق عهده ، في قوة بالغة، كأنه الإعصار الهائج. وكما يحدث عندما يدور خنزير بري أو ليث وسط الكلاب والصيادين هنا وهناك، مزهوا بقوته، فيصطف هؤلاء في صفوف على شكل جدار ويقفون في مواجهته، يمطرونه بوابل من الرماح السريعة من أيديهم، دون أن يهن أو يغشى الخوف قلبه الجريء، رغم أن جرأته قد تجر عليه هلاكه، فيظل دائم الدوران هنا وهناك، يعجم أعواد صفوف الرجال، فيتقهقر هؤلاء في المكان الذي يهجم فيه. هكذا ظل «هكتور» يجوس خلال الحشد ويهيب برجاله ويحثهم على عبور الخندق. ومع كل فإن جياده السريعة الأقدام لم تجرؤ، بل راحت تصهل بصوت مرتفع، وهي واقفة على الجرف العمودي، مذعورة من الخندق؛ إذ كان عظيم الاتساع، ولم يكن من السهل اجتيازه وثبا، كما أنه لم يكن من اليسير القيادة عبره؛ لأن حافتيه الشاهقتين كانتا تقومان على جانبي هوة سحيقة - على هذا الجانب وذاك - كما كانت تحيط بقمته أوتاد مدببة غرسها أبناء الآخيين متقاربة بعضها مع بعض، وضخمة الحجم، كدفاع ضد العدو. وهكذا لم يكن من اليسير على جواد يجر عربة ذات عجلات أن يدخل إلى ذلك الممر، ولكن المشاة كانوا يتمنون أن يحققوا ذلك. عندئذ اقترب «بولوداماس» من «هكتور»، وتحدث قائلا: «أي هكتور، ويا قادة الطرواديين وحلفاءهم الآخرين، إنه لمن الحماقة البحتة أن نحاول قيادة جيادنا السريعة عبر الخندق، فإن اجتيازه من العسير حقا، لأن على جانبيه أوتادا مدببة، وبالقرب منه سور الآخيين. كما أنه ليس في وسع رجال العربات أن يترجلوا هناك ويقاتلوا، لأن المسافة ضيقة؛ لذا أعتقد أننا سنلقى الأذى. فإذا كان «زوس»، الذي يرعد عاليا، مصمما على هلاك أعدائنا هلاكا تاما - في سورة غضبه وينتوي مساعدة الطرواديين - فإنني أتمنى كذلك أن يتحقق هذا سريعا، فيهلك الآخيون هنا بعيدا عن أرجوس، ولا يكون لهم اسم. أما إذا انقلبوا علينا وصدونا عن السفن، ووقعنا في شرك ذلك الخندق المحفور، عندئذ أعتقد أنه لن يقدر لرجل واحد منا أن يعود إلى المدينة من أمام الآخيين إذا ما استجمعوا قواهم، ليحمل الأنباء إليها، والآن، هيا ولنصدع جميعا بما آمر به. أما الجياد فليبتعد بها الخدم عن الخندق، وهلم نمشي على أقدامنا، متسربلين في عدتنا الحربية. ولنسر جميعا في حشد واحد وراء هكتور، وعندئذ لن يقاومنا الآخيون إذا ما أحكمنا عليهم قيود الهلاك!»

هكذا قال «بوليداماس»، فسر هكتور من مشورته السديدة أيما سرور، وقفز في الحال من عربته إلى الأرض في عدته الحربية. ولم يبق الطرواديون الآخرون محتشدين معا فوق عرباتهم، ولكنهم قفزوا جميعا كذلك بمجرد أن أبصروا هكتور العظيم على قدميه. وأخذ كل رجل يأمر سائقه أن يكبح جماح جياده جيدا، ويقف عند الخندق بنظام. ثم قسم الرجال أنفسهم واصطفوا، وساروا في خمس فرق وراءه القادة.

وذهب فريق مع «هكتور» و«بوليداماس» المنقطع النظير. وكان أولئك من أشجع الرجال وأكثرهم تحفزا إلى اقتحام السور والقتال بجانب السفن الخاوية. وتبعهم «كيبريونيس» كقائد ثالث، ترك هكتور رجلا آخر بجانب عربته، أضعف من «كيبريونيس». وكانت الجماعة الثانية بقيادة «باريس» و«الكاثوس»، و«أجينور» والثالثة بقيادة «هيلينوس» و«دايفوبوس» الشبيه بالإله - وكلاهما ابن بريام - ومعها مقاتل ثالث، هو المحارب «أسيوس بن هورتاكوس»، الذي كانت جياده السمراء الضخمة قد حملته من أريسبي، من نهر سيليس. أما الجماعة الرابعة فكان يقودها «أينياس» الشجاع، ابن «أنخيسيس»، وكان معه ولدا «أنتينور»؛ «أرخيلوخوس» و«أكاماس» الفائقان في سائر ضروب القتال. وقاد «ساربيدون» الحلفاء الأمجاد، واختار رفيقين له: «جلاوكوس» و«أستيروبايوس» الباسل، فقد بدا له أن هذين أشجع الباقين طرا، بعده هو. وما إن تذرع هؤلاء بتروسهم المتينة المصنوعة من جلد الثور، حتى ساروا فورا صوب الدانيين، في شوق جارف إلى القتال. ولم يكن في الحسبان أن شيئا ما قد يعرقل مسعاهم بعد ذلك، بل كانوا يعتزمون الانقضاض على السفن السوداء.

وهكذا أطاع بقية الطرواديين وحلفائهم الذائعي الصيت مشورة «بوليداماس» المبرأ من اللوم، ولكن «أسيوس بن هورتاكوس» قائد الرجال، لم يرغب في أن يترك جياده وخادمه السائق هناك، بل ساق العربة والجميع قريبا من السفن السريعة - فما أحمقه! - إذ إنه لم يكن مقدرا له أن ينجو من المهالك، ويعود مزهوا بجياده وعربته، من السفن إلى طروادة ذات الرياح. أجل، ولعل القدر - المنحوس الأصم - كتب له من قبل أن يطويه رمح أيدومينيوس المجيد، ابن ديوكاليون، فقد يمم شطر الجناح الأيسر للسفن، حيث كان الآخيون متلهفين إلى العودة من السهل بالجياد والعربات، فساق جياده وعربته إلى هناك، حتى بلغ الأبواب فلم يجدها مغلقة ولا المزلاج الطويل مثبتا في مكانه، بل كان الرجال قد فتحوها على مصاريعها، لعلهم يستطيعون أن ينقذوا من يمكنهم إنقاذه من رفاقهم الهاربين من المعركة إلى السفن.

هجوم «أسيوس»

ناپیژندل شوی مخ