============================================================
ف قد كان الزمن كله من عصر الامام أبي عبدالله جعفر ، وأبيه الامام محمد الباقر ينحو في الجملة إلى ناحية ملاحظة المناهج ، ولذلك تميزت المدارس الفقهية في مناهجها : اذا كان الامامان الجليلان لم يصنفا تصنيفا مبوبا منظما ، فهما إذن لم يسبقا اشافعي بالتأليف والتنظيم . والحق أن الشافعي رتب أبواب هذا العلم ، وجمع فصوله ، ولم يقتصر على مبحث دون مبحث . (1) في رأيي أن عزو البداءة في التصنيف في هذا العلم إلى غير الشافعي إن هوإلا خرق للاجماع آو قريب منه ، من غير ما برهان واقعي ولا دليل مقنع . ولقد قال المرخ العظيم ابن خلدون في مقدمته عند الكلام على علم أصول الفقه : " وكان آول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أملى فيه رسالته المشهورة ، تكلم يها في الأوامر والنواهي ، والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس ، م كتب فقهاء الحنفية فيه ، وحققوا تلك القواعد، ووسعوا القول فيها ب" (2) قال الامام الرازي : اتفق الناس على أن أول من صنف في هذا العلم - أي أصول الفقه - الشافعي ، وهو الذي رتب أبوابه ، وميز بعض أقسامه من بعض ، شرح مراتبها في القوة والضعف.
قال أيضا : واعلم أن نسبة الشافعي الى علم الأصول كنسبة أرسططاليس الى علم المنطق ، وكنسبة الخليل بن أحمد الى علم العروض ، وذلك أن الناس كانوا قبل أرسططاليس يستدلون ، ويعترضون بمجرد طباعهم السليمة ، لكن ما كان عندهم قانون مخلص في كيفية ترتيب الحدود والبراهين ، فلا جرم كانت كلماتهم مشوشة ومضطربة ، فإن مجرد الطبع اذا لم يستعن بالقانون الكلي قلما أفلح.
لما رأى أرسططاليس ذلك ، اعتزل عن الناس مدة مديدة ، واستخرج لهم علم النطق ، ووضع للخلق بسببه قانونا كليا يرجع اليه في معرفة الحدود والبراهين .
(1) أصول الفقه لأبي زهرة : (14 -15) (2) مقدمة ابن خلدون : (450)
مخ ۱۲۵