وكان لا يعرف أبا غير ربيعة بن حزام ، زوج أمه ؛ فشكى إليها ما عيروه به ، فقالت له : يا ولدى أنت أكرم أبا منهم ، أنت ابن كلاب بن مرة ، وقومك بمكة عند البيت الحرام ، فقدم لمكة ، فعرف له قومه فضله وقدموه وأكرموه ، وكانت خزاعة مستولية على البيت وعلى مكة وكان كبيرهم «خليل ابن حبشية الخزاعى» بيده البيت الشريف ، وسدانته ، فخطب إلى خليل ابنته ، فعرف خليل نسبه ؛ فزوجه ابنته حى ، فتزوجها قصى ، ك فكثرت أمواله وأولاده ، وعظم بشرفه ، وأوصى بمفتاح البيت الشريف لابنته حى ، فقالت : لا أقدر على السدانة فجعلت ذلك لأبى غبشان ، وكان يسكر يحب الخمر فأعوزه فى بعض الأوقات ما يشربه من الخمر ، فباع مفتاح البيت بزق خمر فاشتراه منه قصى ، وصار فى الأمثال أخسر صفقة من أبى غشان.
فلما صار المفتاح إلى قصى تناكرت خزاعة ، وكثر كلامها عليه ؛ فاجتمع على حربهم ، فحاربهم وأخرجهم من مكة ، وولى قصى أمر الكعبة ومكة ، وجمع فى قومه فملكوه على أنفسهم وكانوا يحترمون أن يسكنوا مكة ويعظمونها ، على أن يبنوا بها بيتا مع بيت الله تعالى ، وكانوا يكمنون بها نهارا ، فإذا مسوا خرجوا إلى الحل ، ولا يستحلون الجنابة بمكة ، فلما جمع قصى قومه إليه أذن لهم يبنوا بيوتا بمكة مع بيت الله تعالى ، وأن يسكنوا ، وقال لهم : إنكم إن سكنتم حول الحرم هابتكم العرب ، ولم تستحل قتالكم ولا يستطيع أحد إخراجكم ؛ فقالوا له : أنت سيدنا ، ورأينا تابع لرأيك.
وجمعهم حول البيت ، وفى ذلك قال القائل :
أبوهم قصى كان يدعى مجمعا
به جمع الله القبائل من فهر
وابتدأ هو فبنى دار الندوة ، والندوة فى اللغة «الاجتماع» ، وكانوا يجتمعون فيها للمشورة وغيرها من المهمات ، فلا تنكح امرأة ، ولا يتزوج رجل من قريش إلا فيها.
قال الأزرقى : «ولم يدخل من قريش ولا غيرهم إلا ابن أربعين سنة ، وكان ولد قصى يدخلها كلهم أجمعين».
مخ ۷۸