ابراهیم ابو الانبیا

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
90

ابراهیم ابو الانبیا

إبراهيم أبو الأنبياء

ژانرونه

وثانيا:

يلاحظ أن حساب العهود بيننا وبين الأوائل لا يختلف كما يختلف حساب الأعمار، فابن الأثير مثلا يقول اعتمادا على مصادره جميعا: إن عهد إبراهيم مضى عليه ألفان وسبعمائة ونحو ثلاث وتسعين سنة قبل الهجرة المحمدية. وهذه التقديرات لا تطيل العهود والفترات بينها بنسبة الطول في أعمار الأفراد المعمرين، فإن هذا الحساب قريب من حساب علماء الأحافير وطبقات الأرض الذين يقيسون الفترات بمقياس تكوين الطبقات وتتابع الظواهر الجيولوجية. وسيأتي فيما بعد أن التفاوت بين تقديرات علماء الأحافير أنفسهم، لا يقل عن التفاوت بين تقدير ابن الأثير على حسب مصادره، وبين تقديرات هؤلاء العلماء مجتمعين.

وأيا كان مقطع الرأي في هذه المسائل جميعا، فليس من أمانة التاريخ أن يستند إليها أحد في نفي الأخبار المتواترة، ولا سيما أخبار العهود والدعوات، ولا تزال الأسانيد الأولى أساسا قويا لتواريخ الأمم ترجح فيه دلائل الثبوت على دلائل البطلان.

وبهذا الوزن ننتقل من المصادر الأثرية إلى ما بعدها، ونعتمد على هذا الأساس، ثم لا يمنعنا هذا الاعتماد أن نفرق بين الأسانيد في درجة القبول وميزان الترجيح ...

ولا ننتقل من الكلام عن المصادر الأثرية في جملتها حتى نضيف إليها مصدرا يستمد قوته من السكوت، ولا يستمدها من البيان والإيضاح؛ فلا يخفى أن السكوت المتعمد يدل على كثير، وربما كان في ميزان الصدق أدل من الكلام الذي يتعرض للتورية والمحال.

فإذا علمنا من بعض التواريخ أنها تسكت عمدا عن بعض الأمور؛ فقد علمنا شيئا صحيحا يبين لنا تلك الأمور المسكوت عنها، وبخاصة حين نعلم سبب السكوت.

لقد سكتت مصادر اليهود عن حالة العرب الدينية كل السكوت، وترجع هذه المصادر إلى القرن السابع قبل الميلاد.

وقد تعمدت هذه المصادر أن تخرج أبناء إسماعيل من حقوق الوعد الذي تلقاه إبراهيم من الله، وقالت : إن هذا الوعد إنما هو حق لأبناء إبراهيم من سلالة إسحاق.

إن انتساب العرب إذن إلى إسماعيل قد كان تاريخا مقررا لا سبيل إلى إنكاره عند كتابة المصادر اليهودية التي حصرت النعمة الموعودة في أبناء إسحاق ...

ولو لم يكن انتساب العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم تاريخا مقررا في ذلك العصر - عصر كتابة المصادر اليهودية الأولى - لما كانت بهم حاجة إلى التمييز بين أبناء إسحاق وأبناء إسماعيل؛ إذ كان يكفي أن يقال: إن النعمة الموعودة من نصيب أبناء إبراهيم عامة؛ ليخرج من هذا الوعد من لم يكن من اليهود لا ينازعهم أحد في الانتساب إلى إبراهيم.

ناپیژندل شوی مخ