ونحن نرى أن الرأي الذي اختاره ابن تيمية هو الأولى بالاتباع، فإنه رأي يساعد على تصحيح الأوضاع الفاسدة في المجتمع، ويتفق مع قول الرسول
صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات.» وليس يغني عن اتباع الإمامين أبي حنيفة والشافعي ما ذهبوا إليه لتصحيح الرأي الآخر وترجيحه، ومنهم الطحاوي إذ يقول: «ومن كان له عصير فلا بأس عليه ببيعه، وليس عليه أن يقصد بذلك إلى من يأمنه أن يتخذه خمرا دون من يخاف ذلك عليه؛ لأن العصير حلال فبيعه حلال ، كبيع ما سواه من الأشياء الحلال مما ليس على بائعها الكشف عما يفعله المشتري بها.»
10
ليس يغني هذا التدليل من الحق شيئا في رأينا، وبخاصة الأحناف الذين يقولون دائما: العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، والله أعلم.
في الهبة
يذكر ابن تيمية، في باب الهبة من كتاب الاختيارات، أنه لا يجوز للإنسان أن يقبل هدية من شخص ليشفع له عند ذي أمر، أو ليرفع عنه ظلما، أو ليوصل إليه حقه، أو يوليه ولاية يستحقها، أو يستخدمه في الجند المقاتلة، وهو مستحق لذلك.
وإذا كان لا يجوز شرعا أن يقبل الإنسان هدايا أو هبات لهذه الأعمال وأمثالها، فإنه يجوز للإنسان أن يبذل ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه، وكل هذا وذاك هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر، وفيه حديث مرفوع رواه أبو داود وغيره.
وقد تعرض الشيخ رحمه الله لهذا الموضوع بتفصيل في فتاويه المصرية، فذكر - بعد أن بين ذلك الرأي الذي اختاره - أنه قد رخص بعض المتأخرين من الفقهاء في قبول الهدية لمثل تلك الأعمال ويكون ذلك من باب «الجعالة»، ثم قال: وهو مخالف للسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والأئمة، فهو غلط.
وأفاض في بيان أن هذا الرأي غلط وخطأ من ناحيتين؛ الأولى: أن هذا ليس من باب الجعالة في شيء؛ لأنه في الجعالة يكون النفع للجاعل الباذل، وهنا «إنما المنفعة لعموم الناس، أعني المسلمين، فإنه يجب أن يولى في كل مرتبة أصلح من يقدر عليها ... وهذا واجب على الإمام، وعلى الأئمة أن يعاونوه في ذلك، فمن أخذ جعلا من شخص معين على ذلك أفضى إلى أن تطلب هذه الأمور بالعوض، ونفس طلب الولاية منهي عنه فكيف بالعوض!»
ومن الناحية الثانية، يلزم من إجازة قبول الهدية لمثل ذلك ضرر كبير تام إذا كان الأمر أمر تولية عمل من الأعمال؛ أي ينتهي الحال إلى «تولية الجاهل والفاسق والفاجر، ويترك العالم العادل القادر، وأن يرزق في ديوان المقاتلة الفاسق والجبان العاجز عن القتال، ويترك العدل والشجاع النافع للمسلمين ، وفساد هذا كثير.»
ناپیژندل شوی مخ