هل يجوز نقل زكاة أهل بلد إلى فقراء بلد آخر؟ وهل يجوز نقلها من الريف إلى فقراء أهل المصر الجامع؟ في الإجابة عن هذين السؤالين يختلف الفقهاء، وقد تعرض ابن تيمية لذلك إذ يقول: «وإذا نقل الزكاة إلى المستحقين بالمصر الجامع، مثل أن يعطي من بالقاهرة من العشور التي بأرض مصر، فالصحيح جواز ذلك؛ فإن سكان المصر إنما يعانون من مزارعهم (أي مزارع أهل غير المصر)، بخلاف النقل من إقليم مع حاجة أهل الإقليم المنقول عنه.»
5
وهل يجوز إعطاء شيء من الزكاة لمن لا يقوم بما عليه من طاعة الله والعمل بشرائعه؟ يقرر ابن تيمية في ذلك أنه لا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله فرضها معونة على طاعته، فمن لا يصلي (مثلا) من أهل الحاجات الذين هم من مصارف الزكاة، لا يعطى شيئا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة.
6
ويصدر ابن تيمية رحمه الله في هذا عن أصل له في باب الأطعمة من كتاب «الاختيارات العلمية» السابق ذكره، وذلك إذ يقول: «والأصل فيها (أي في الأطعمة) الحل لمسلم يعمل صالحا؛ لأن الله تعالى إنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته لا في معصيته، لقوله تعالى:
ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات .»
ولهذا لا يجوز أن يعان بالمباح على المعصية، كمن يعطي اللحم والخبز لمن يشرب عليه الخمر ويستعين به على الفواحش، إلى آخر ما قال.
ولعل مما جعل ابن تيمية يتخذ هذا أصلا له، ويبني عليه عدم جواز إعطاء الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله (وإن كان لنا في هذا الرأي مقال)، رغبته الشديدة في جعل المجتمع الإسلامي مجتمعا مثاليا لا يخالف فيه أحد عن أمر الله ورسوله في عامة أحواله.
هذا، ومن المعروف أن من عليه الزكاة تبرأ ذمته منها إذا أعطاها بنفسه لأحد مصارفها، أو سلمها له وكيله في دفعها، أو أعطاها للوالي الذي هو بحكم منصبه نائب عن المسلمين جميعا، فهل تبرأ ذمته بإعطائها لولي الأمر عادلا كان أو ظالما؟
هنا نجد ابن تيمية يقول: «ويبدأ بدفع الزكاة إلى ولي الأمر العادل. وإن كان ظالما لا يصرف الزكاة في المصارف الشرعية، فينبغي لصاحبها ألا يدفعها إليه، فإن حصل له ضرر بعدم دفعها إليه، فإنه يجزئ عنه إذا أخذت منه في هذه الحالة عند أكثر العلماء. وهم في هذه الحالة ظلموا مستحقها، كولي اليتيم وناظر الوقف إذا قبضا المال وصرفاه في غير مصارفه الشرعية.»
ناپیژندل شوی مخ