كما يقول عنه الإمام الذهبي في تاريخه الكبير: «ولقد كان عجبا في معرفة علم الحديث، فأما حفظه متون الصحاح وغالب متون السنن والمسند، فما رأيت من يدانيه في ذلك أصلا»، على ما نقله ابن رجب في «الذيل على طبقات الحنابلة».
ويضاف إلى هذا، عنايته التامة بتتبع فتاوى الصحابة والتابعين، فصار عليما بها، كما عني كذلك بدراسة فقه كل من المذاهب المعروفة فوقف على آرائهم واختلافاتهم وأسباب هذه الاختلافات، حتى «كان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا منه في مذاهبهم أشياء» كما يذكر ابن رجب في الطبقات .
لا عجب، بعد هذا كله، إذا رأيناه قد انكسرت عنه ربقة التقليد لمذهب الإمام أحمد أو غيره، بل كان يذهب إلى ما يراه حقا وقام الدليل عليه، غير ناظر إلى موافقته أو مخالفته لأي من هذه المذاهب، كما كان فيما يختاره من مذهب إمامه ابن حنبل يصدر عن دليل لا عن تقليد.
وفي ذلك يقول الإمام الذهبي أيضا عنه في معجم شيوخه: «وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده.»
2 (2) أنواع آرائه
إن الذي يتتبع جمهرة آراء الشيخ الأكبر وفتاويه، يرى أنها تتنوع إلى مجموعات، لكل منها طابع خاص أو وصف تدخل تحته، وكان من عوامل هذا التنوع تدرج صاحبها في الزمن والبحث والتعمق فيه، وهذه الأنواع أو المجموعات هي: (أ)
آراء صدر فيها عن مذهب الإمام أحمد بن حنبل. (ب)
آراء اختارها لم يلتزم فيها مذهبا معينا، ولكنها لا تخرج عن أقوال فقهاء المذاهب المعروفة. (ج)
آراء خالف فيها كل هذه المذاهب، أو المشهور من أقوال فقهائها.
وكان من الطبعي أن يكون ترتيب آرائه وفتاويه على هذا النحو، فقد كان أول أمره حنبليا كما عرفنا؛ ومن ثم كان يتقيد غالبا بمذهب إمامه بعد بحث واقتناع بأدلته. ثم انتقل به الزمن والبحث خطوة أخرى، فطوف في محيط المذاهب المعروفة، وحلق في سماواتها، فكان يفتي بما يراه الحق غير متقيد بمذهب واحد منها، وإن كانت فتاويه في هذه الحقبة لا تخرج عن دائرتها جميعا.
ناپیژندل شوی مخ