Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
من مالك نظر، له أساسه، ووجهته، ويزكيه أن مالكاً رضي الله عنه كان يحترم الحال الواقعة من نظام الحكومة أياً كان، ومهما يكن حال الحاكم، ساعياً في تغيير نفسه بالإصلاح والموعظة الحسنة، وذلك يقتضي الاتصال لا المقاطعة، والاتصال يوجب عليه أن يقبل العطية ولا يردها.
والقسم الثالث - وسط بين الأول والثاني يقبل العمل للخلفاء، ويأخذ العطاء، ويتصدق به، وإن كان حظاً مقسوماً ولم يكن عطاء أخذه، وهو الشافعي، فقد تولى الولاية للرشيد، وقبل عطاءه، ووزعه صدقات، وقبل أن يأخذ سهم بني المطلب من الغنيمة، وقد كان لهم سهم فيها، لإلحاقهم ببني هاشم إذا كانوا معهم في السلم والحرب؛ جاهلية وإسلاماً.
٧٥- ولا شك أن أحمد اختار مسلك أبي حنيفة، وإن كانت حال أحمد تجعل اختياره أعظم ابتلاء، لأنه كان فقيراً، فهو يرفض عطاء الخلفاء وغيرهم ويكرى نفسه، ويكتب للناس الكتب بأجر، فكان في رفضه المتجمل الصبور، وأبو حنيفة كان رجلاً ثرياً له تجارة تدر عليه الدر الوفير. وكان يسد به حاجة الفقهاء والمحدثين الذين كانوا على اتصال به، وله على أي حال الفضل الكبير.
كان أحمد يرفض عطاء الخلفاء، ولو كان يعم، ولا يخصه، ولولم يقصد به شخصه، بل وصفه، يروى أن المأمون دفع إلى شيخ من شيوخ الحديث في عصره مالاً، ليقسمه على أصحاب الحديث؛ لأن فيهم ضعفاء أراد أن يعينهم على ما خصصوا أنفسهم له، فما بقي منهم أحد إلا أخذ ما عدا أحمد بن حنبل(١).
ولقد كان ذلك والمأمون لم يتجه إلى محنة الفقهاء والمحدثين، واختبارهم، وحملهم على أن ينطقوا بأن القرآن مخلوق، إذ أنه لم يتجه إلى ذلك الامتحان إلا بعد أن غادر بغداد غازياً، ومات في خرجته هذه بطرسوس، وقد كان ذلك في السنة الأخيرة من خلافته.
ولا شك أن عرض العطاء عليه لم يكن ظاهراً من الحاكمين في عهد المعتصم والواثق،
حلية الأولياء، حـ ٩، ص ١٨١
76