75

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

رفض الولاية وعطاء الخلفاء

٧١ - قد رأيت كيف كان أحمد ضنينا بنفسه أن تهون بمنة العطاء، وكيف كان شحيحا بدينه فلا يأخذ المال إلا إذا كان حلالا طيبا، لا تعلق به شبهة، ولا يتدرن بخبث، وكان عند الزكاة يبالغ في الإيجاب على نفسه فيختار أشد الأقوال، حتى كان يدفع زكاة عن عقاره الذي يغل، والذي يسكنه، مستأنسا بفتوى لعمر بن الخطاب، عندما فتح سواد العراق.

وإذا كان أحمد كذلك في تعففه وبذله بالنسبة لسواد الناس، وأهل العلم والحديث، فهل كان كذلك بالنسبة لمال الخلفاء، وهو مال جمع من زكوات المسلمين، ومن فرائض فرضت عليهم، لينفق في المصالح العامة، ولا شك أن إعانة العلماء والمحدثين من مصارف ذلك المال، فإن أخذ فليس أخذه من مال الخلفاء، ولكن من مال الأمة التي صرف كل همته في نشر حديث رسولها؟

إن أحمد رضي الله عنه قد كان بالنسبة لمال الخلفاء أعف، وكان فيه أزهد، بل كان يبعده عن نفسه إلى درجة النفور منه، رفض أن يأخذه من ولاية، ورفض أن يأخذه في عطاء قط، بل ألا يأخذ من مال من يقبل عطاء الخلفاء، ولقد شدد في ذلك، حتى لقد كان يمنع أن ينتفع بأي وجه من أوجه الانتفاع بأي شيء لشخص قد قبل وقتا ما بعضا من مال السلطان.

هذا إجمال نفصله ببعض قليل من الأخبار الكثيرة التي وردت عنه في ذلك. ٧٣ - عندما جاء الشافعي إلى بغداد في المرة الثانية التي أقام فيها، ونشر مذهبه بها، كان أحمد قد التزم مجلسه، ما كان يفارقه إلا لطلب حديث في السفر أو الحضر، ولاحظ الشافعي أن أحمد كان يرحل إلى اليمن لطلب حديث عبد الرزاق بن همام كما بينا، وكان يلاحظ بعد الشقة، وعظم المشقة التي يعانيها أحمد في هذه الرحلة، بسبب أنه من المال قل، وقد كاف الأمين الشافعي أن يختار قاضيا لليمن، فوجد أن من التسهيل على أحمد أن يكون قاضي اليمن، ليسهل عليه السماع من عبد الرزاق من

74