74

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

إليه يردها، فقال له يا أبا عبد الله ما دفعتها، وأنا أنوي أن آخذها منك، فقال وأنا ما أخذتها إلا وأنا أنوي أن أردها عليك))(١)

٧١- هذه هي حال أحمد، وموارد رزقه آثر الكفاف مع الكدح، وسغب العيش على أن يقبل منة العطاء، وقد كان مع ذلك حريصًا كل الحرص على ألا يكون في المال الذي يصل إليه شبهة، فإن كان فيه شبهة رده، وآثر أن يغلب مع الحرمان جانب التحريم على جانب الإباحة، يروى أنه رهن عينًا له في دين عليه، حتى إذا استطاع وفاء الدين ذهب إلى الدائن، فوفاه دينه. ولما أراد أن يرد إليه رهنه التبس بعين مشابهة له من مال المرتهن فدفع إليه العينين على أن يختار أيهما، ولكن أحمد بالغ في الاحتياط لدينه، فتركهما وقد سدد ما عليه، أي أنه آثر أن يكون التارك لحقه المؤكد في سبيل ألا يأخذ غير ماله، لشبهته في أنه أخذ ملك غيره بغير معاوضة توافرت فيها عناصر الرضا الكامل.

وهكذا ترى ذلك العالم الجليل يسير في معاشه على سنة من يعلو بنفسه عن أن تكون يده السفلى، بل مع هذه الشدة والعسرة، كان يعلو، فتكون يده هي العليا، ولذلك كان مع هذا القل من المال من أسخى الناس بما في يده، وما يستطيع، وكان حريصًا متشددًا في أن يكون ماله حلالًا طيبًا، لا شيء فيه من أدران الخبث، أو شبهة الملك لغيره، فكان ينطبق عليه بحق ذلك الوصف الكريم إنه كان شحيحًا بدينه، باذلًا لماله، ما أمكن البذل.

(١) حلية الأولياء ص ١٧٠ الجزء التاسع

73