Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
نصفين يعني إزارا ورداء، وجئني بورق، ففعلت، وجئت بورق، فكتب لي هذا)، وكان ينسج أحيانا، ويبيع ما ينسجه، ويأكل منه، ولقد حكى الذهبي أيضا عن إسحاق ابن راهويه أنه قال:
((كنت أنا وأحمد باليمن عند عبد الرزاق، وكنت أنا فوق الغرفة، وهو أسفل، وكنت إذا جئت إلى موضع، اشتريت جارية، فاطلعت على أن نفقته (أي أحمد) فنيت، فعرضت عليه، فامتنع، فقلت إن شئت قرضا، وإن شئت صلة، فأبى، فنظرت، فإذا هو ينسج التكك، ويبيع وينفق))(٢)
وترى من هذا أن ذلك الإمام الجليل ما كان يجد في العمل غضاضة، مهما يكن نوع العمل ما دام حلالا، وفيه نفع للناس، فهو يقدم للناس ما يسد بعض حاجتهم في نظير أن يأخذ ما لا يسد حاجته، وهذا قانون الحياة الإنسانية العاملة الدائبة، ذلك لأن أحمد كان رجلا صالحا، لا يهمه نظر الناس بمقدار ما تهمه نزاهة نفسه، وعدم نيلها المال إلا من حله، فهو لا يرى في العمل خسة، لأن الشرف الذاتي الصحيح إنما يستمد من نفس صاحبه، وعلوها عن الدنايا ومنة الناس، وإن الذين يجدون العار في صغار الأعمال هم ضعاف الناس الذين لم يهبهم الله شرفا ذاتيا في نفوسهم، فيسدون ذلك النقص الإنساني، بهذا التعالي المادي، وكل ميسر لما خلق له
وثالث المسالك التي كان يسلكها أحمد لسد حاجته أن يلجأ إلى الاقتراض، ويظهر أنه لم يلتجئ إليه في كل الأحوال، وفي كل الأماكن، بل كان يلجأ إليه، حيث تكون غلة قريبة يترقب وجودها، وحيث يستوثق من أن المقرض ما قصد عطاء، وفي الحضر، لا في السفر، لأن مظنة الوفاء في الحضر قريبة، حيث الأمن والقرار، وليس السفر كذلك، وفي بعض الأحوال كان يأخذ قرضا معتزما الوفاء في الميسرة، والمقرض قد أعطى على نية ألا يأخذ، فيختلفان ويصر أحمد على رأيه، فيتم له ما يريد.
كان قد استقرض مرة من بعض معاصريه أهل التقى الذين يعرف أن مالهم نزه لم يجمع إلا من حلال مقدار مائتي درهم أو ثلاثمائة على اختلاف الرواية، فذهب
(١) راجع ترجمة أحمد الذهبي المنشورة في مقدمة المسند طبع المعارف بتحقيق الأستاذ أحمد شاكر.
72