(100) المقابل للموجود الذي يقال بالقياس إلى آخر هو " غير الموجود " الذي يقال بالقياس إلى آخر. فإنا نقول " زيد غير موجود عمرا " و" الحائط غير موجود إنسانا " و" السرير غير موجود عن الطبيعة بل عن الصنعة " ، نعني ليست ماهية السرير مستفادة عن الطبيعة. وكذلك في الباقي، نعني ما هو زيد ليست ماهية عمرو.
(101) وقد يستعمل الموجود في شيء آخر خارج عن هذه التي ذكرناها. وهو أنه يستعمل رابطا للمحمول مع الموضوع في الأقاويل الجازمة الموجبة. فهذه اللفظة ومعناها تربط المحمول بالموضوع وبه يحصل إيجاب شيء لشيء. وقد يحصل هذا الصنف من تركيب الموجودات بعضها إلى بعض، فإن الموجود يدل على الإيجاب و" غير الموجود " يدل على السلب. وليس يدلفي مثل قولنا " زيد موجود عادلا " على أن ماهية أحدهما بالذات أو بالعرض، ولا أن ماهية أحدهما أو كلاهما الخارجة عن النفس هي أن توصف بالعادل. فإنه قد يكون هذا التركيب في جواب ما ليست له الآن ماهية خارج النفس، فيصدق قولنا " اوميرس موجود شاعرا " . فيكون صادقا لأن ما يدل الموجود ههنا ليس هو الموجود الذي تحددت معانيه فيما تقدم، بل هو لفظة ينطوي فيها موضوع لمحمول أو محمول لموضوع، وبالجملة شيئان ركبا هذا التركيب. وقد تنطوي فيها ما هياتها على أن لكل واحد عند الآخر هذه النسبة فقط. وهذه اللفظة في قوتها ماهيتا أمرين يضاف كل واحد منهما إلى الآخر هذه الإضافة، ليس ماهياتهما اللتان يقال إنهما خارج النفس، لكنها ماهيتاهما كيف اتفقت من حيث هما مضافان هذه الإضافة التي يصير المؤلف منها قضية موجبة. فإن هذه اللفظة قد تستعمل فيما هي كاذبة وفيما هي صادقة وفيما لا ندري هل هي صادقة أو كاذبة. فإنها إنما تتضمن ماهيتهما على الإطلاق من حيث هما في النفس، سواء كانتا خارج النفس أو لم تكونا. وليس تتضمن أيضا أمرين بأعيانهما، بل إنما تتضمن موضوعا لمحمول أو محمولا لموضوع. فلا فرق بين أن يبتدأ آ ب من الموضوع إلى المحمول أو من المحمول إلى الموضوع، فيقال " آ موجود ب " أو يقال " ب موجود آ " . و" غير الموجود " يدل على سلب محمول عن موضوع أو موضوع يسلب عنه محمول ما. وليس للموجود منها معنى أخر غير هذا.
(102) فلذلك لما ظن قوم أنه يعنى بالموجود ههنا ما له ماهية خارج النفس ظنوا أن قولنا " زيد يوجد عادلا " يوجب أن يكون زيد موجود خارج النفس. وعلى هذا المثال ظنوا السلب، كقولنا " زيد ليس يوجد عادلا " . فإنهم زعموا أنه رفع ماهية زيد من حيث هو عادل. وأن الإيجاب قد كان عندهم إثبات ماهية زيد من حيث هو عادل. فلذلك لا يصدق الإيجاب على زيد متى كان قد مات وبطل. وأخرون ظنوا أنه لا يصدق أن يقال " الإنسان موجود أبيض " ، إذ ليست ماهية الإنسان أن يكون أبيض. وآخرون ظنوا أن قولنا " الإنسان موجود حيوانا " كذب، إذ كان الحيوان قد يكون حمارا أو كلبا، وظنوا ان قولنا " الإنسان موجود حيوانا " يعنى به أن الإنسان ماهيته الحيوان الذي ينطوي فيه الحمار والكلب، فتكون ماهية الإنسان أن يكون حمارا أو كلبا، أو أن يكون الحيوان أيضا جزءامن حد الحمار وأن تكون ماهية الإنسان حمارية ما، وقالوا بل الصادق أن يقال " الإنسان موجود إنسانا " و" العادل موجود عادلا " . ولم يعلموا أن الموجود ههنا إنما استعمل باشتراك، وأنه إنما تنطوي فيه بالقوة ماهيتان اثنتان من حيث هما متصورتان لهما نسبة المحمول إلى موضوع والموضوع إلى المحمول فقط لا غير، وأنه ليس يتضمن إضافة ماهية خارج النفس إلى ماهية خارج النفس بل إضافة في النفس أحد طرفيها الموضوع والآخر المحمول، ولا يتضمن أن تكون ماهية أحدهما أن توصف بذلك المحمول بل إنما يتضمن ما قلناه فقط. وإنما يتضمن إضافة ما بها يصير أحد الأمرين خبرا والآخر مخبرا عنه موضوعا لا غير.
مخ ۳۳