(72) فإذا كان المشار إليه الذي لا في موضوع أحرى أن يكون جوهرا بالإطلاق لا جوهرابالإضافة إلى ما يعرف فيه ماهو، إذا كان لا يحمل ولا على موضوع وإذا كان ليس جوهرا لشيء آخر، وكان كل ما سواه يحمل عليه إما حملا في موضوع، وكان هذا الموضوع الأخير الذي للمقولات كلها ولا موضوع له، كان الذي هو لا على موضوع ولا هو موضوع لشيء أصلا بوجه من الوجوه أحرى أن يكون جوهرا، إذ كان أكمل وجوداوأوثق. والبرهان يوجب أن يكون هنا ذاتاهو بهذه الصفة. فهو أحرى أن يكون جوهرا. ويكون هذا جوهرا خارجا عن المقولات، إذ ليس هو محمولا على شيء أصلا ولا موضوعا لشيء أصلا، اللهم إلا أن يكون الذي يسمى جوهرا على الإطلاق يقتصر به من بين هذين على ما كان لا في موضوع ولا على موضوع إذا كان مشارا إليه محسوسا أو كان موضوعا للمقولات.
(73) وإذغ كان كذلك صار ما يقال عليه الجوهر في الفلسفة ضربين، أحدهما الموضوع الأخير الذي ليس له موضوع أصلا، والثاني ماهية الشيء - أي شيء اتفق مما له ماهية. ولا يقال الجوهر على غير هذين. فإن المادة والصورة هما ماهية ثانيهما. وإن سامح إنسان فجعل الجوهر يقال على ما ليس يقال على موضوع ولا في موضوع وهو لا هو مشار إليه ولا هو موضوع لشيء من المقولات أصلا - إن تبرهن أن ههنا شيئا ما بهذه الحال - صار الجوهر على ثلاثة أنحاء. أحدها ما ليس له موضوع من المقولات أصلا ولا هو موضوع لشيء منها - اللهم إلا أن يكون لإضافة ما، فإنه ليس يعرف شيء أصلا أن يوصف بنوع منها. والثاني ما ليس له موضوع من المقولات أصلا وهو موضوع لجميعها. والثالث ماهية أي شيء اتفق مما له ماهية من أنواع المقولات، وأجزاء ماهيته. فيعرض ههنا أيضا أن يكون الجوهر إما جوهرا بالإطلاق وإما جوهرا لشيء ما.
الفصل الرابع عشر: الذات (74) الذات يقال على كل مشار إليه لا في موضوع. ويقال على ما يعرف في مشار مشار إليه مما ليس في موضوع ماهو، مما تدل عليه لفظة مفردة أو قول. ويقال أيضا على كل مشار إليه في موضوع. ويقال على كل ما يعرف فب مشار مشار إليه مما في موضوع ما. وهذه بأعيانها هي المقولات الباقية التي تعرف في المشار إليه الذي ليس في موضوع، ما هو خارج عن ماهيته. ويقال أيضا على ما ليس له موضوع أصلا ولا هو موضوع لشيء أصلا، إن تبرهن أن شيئا ما بهذه الصفة. فهذه معاني الذات على الإطلاق.
(75) وهو يقال على كل ما يقال عليه الجوهر وعلى ما لا يقال عليه الجوهر. فإن المشار إليه الذي في موضوع ليس يقال إنه جوهر أصلا لا بإطلاق ولا بإضافة. وأما ذات الشيء فهو ذات مضافة. فإنه يقال على ماهية شيء وأجزاء ماهيته وبالجملة لكل ما أمكن أن يجاب به - في أي شيء كان - في جواب " ما هو " ذلك الشيء، كان الشيء مشاراإليه لا في موضوع أو نوعا له أو كان مشاراإليه في موضوع أو نوعا له. وإن الذات المضافة إلى شيء ينبغي أن يكون غير المضاف إليه، ولا يبالي أي غيرية كانت بينهما بعد أن يكون عيره بوجه ما. حتى أنا إذا قلنا " ما ذات الشيء الذي نراه " يكون الذات مضافة إلى ما نفهمه من قولنا " هذا الذي نراه " . فإن معنى قولنا " هذا الذي نراه " ليس هو ذات لذلك الذي عنه نسأل، بل ذاته أنه " إنسان " ، فلذلك المسؤول عن ذاته هو إذن غير ذاته الذي إياه يلتمس. وحتى لو قلنا " ذات الشيء " أو " ذات هذا الشيء " أو ذات شيء ما " فإنما نلتمس به ماهيته التي هي أخص مما يدل عليه الشيء. ولو قلنا " ذات زيد " فإنما نلتمس ماهيته التي هي أعم مما يدل عليه " زيد " أو التي هي ماهيته في الحقيقة. لأن اسم " زيد " ربما وقع على المشار إليه من حيث له علامة من غير أنه " إنسان " . وأما أن يكون قولنا " ذات الشيء " مضافا إلى شيء ما من حيث لا غيرية بين المضاف والمضاف إليه بوجه من الوجوه، فإنه هذر من القول، اللهم إلا أن نسامح فيه، فإن قولنا " نفس الشيء " أيضا إنما نعني به أيضا هذا المعنى، وهو ما هية الشيء، وهو بعينه معنى قولنا " جوهر الشيء " .
مخ ۲۳