(76) وأم قولنا " ما بذاته " و" الذي هو بذاته " فإنه غير الذات وغير قولنا " ذات الشيء " .فإن " ما بذاته " قد يقال على المشار إليه الذي لا يقال على موضوع، يعنى به أنع مستغن في ماهيته عن باقي المقولات، فإنه ليس يحتاج في أن تحصل ماهيته لا أن يحمل عليه شيء منها ولا أن يوضع له، لا في أن يحصل معقولا ولا في أن يحصل خارج النفس. ويقال أيضا على ما يعرف ماهو هذا المشار إليه، إذ كان مستغنيا في أن تحصل ماهيته ومستغنيا في أن تعقل ماهيته من مقولة أخرى، فأما سائر المقولات الباقية فإنها محتاجة في أن تحصل لها ماهيتها معقولة في النفس وتحصل خارج النفس إلى هذه المقولة - أعني إلى المشار إليه الذي لا في موضوع وإلى ما يعرف ماهيته. فإذن يقال هذا على ما يقال عليه الجوهر على الإطلاق.
(77) وقد يقال " ما بذاته " على شيء آخر خارج عن هذين. فإنه قد يقال في المحمول إنه محمول على الموضوع " بذاته " متى كانت ماهية الموضوع أو جزء ماهيته هي أن يوصف بذلك المحمول، مثل أن الحيوان محمول على الإنسان " بذاته " إذا كانت ماهية الإنسان أو جزء ماهيته أن يكون حيوانا أو أن يوصف بأنه حيوان. وقد يقال في المحمول إنه محمول على الموضوع " بذاته " متى كانت ماهية المحمول أوجزء ماهيته هي أن يكون محمولا على الموضوع، مثل " الضحاك " الموجود في " الإنسان " فإن ماهية " الضحاك " أو جزء ماهيته هي أن يكون محمولا على " الإنسان " . وقد يقال في المحمول إنه محمول على الموضوع " بذاته " متى كانت ماهية المحمول أو جزء ماهيته هي أن يكون في ذلك الموضوع وكانت ماهية الموضوع أو جزء ماهيته هي أن يوصف بذلك المحمول، وذلك أن يكون موضوعه جزء ماهيته أو ماهيته مثل الزوج أو الفرد في العدد، فإن ماهية الزوج أو جزء ماهيته هي أن يكون في العدد، والعدد هو جزء ماهية كل واحد منهما وهما محمولان على العدد. والخالصة التي في قولنا " ذاته " هي راجعة على ما شئت من هذين ، إن شئت على الموضوع وإن شئت على المحمول. غير أنها تظن أنها راجعة في الأول على الموضوع - فكأنه قيل المحمول محمول على الموضوع " بذات ذلك الموضوع " يعنى " بذات الموضوع " من جهة ماهية الموضوع - وفي الثاني على المحمول - فكأنه قيل " المحمول بذاته وماهيته محمول " . وأنت فأجعله ما شئت منها.وقد يقال أيضا في المحمول إنه محمول على الموضوع " بذاته " متى كان الموضوع إذا حد لزم من حده أن يوجد له ذلك المحمول، وهو أن تكون ماهيته الموضوع توجب دائما أو على أكثر الأمر أن يوجد له ذلك المحمول حتى تكون ماهيته، وحده هو السبب في أو يوجد له ذلك المحمول. وقد يقال في ما عدا نسبة المحمول إلى الموضوع من سائر النسب - مثل أن يكون شيء عند شيء أو معه أو به أو عنه أو فيه أو له أو غير ذلك مما تدل عليه سائر الحروف النسبية - إنه " بذاته " متى كانت ماهيته كل واحد منهما أو ماهية أحدهما توجب أن تكون له تلك النسبة إلى ذلك الشيء أو أن يكون ضروريا في ماهية أن تكون له تلك النسبة. وبالجملة إنما يقال في شيء إنه منسوب إلى شيء آخر " بذاته " - أي نسبة كانت - متى كان أحدهما أو كل واحد منهما محتاجا في أن تحصل ماهيته إلى أن تكون له تلك النسبة أو إن كانت ماهية أحدهما أو كل واحد منهما توجب أن تكون له تلك النسبة. وهذا إنما يكون أبدا في ما أحدهما منسوب إلى الآخر تلك النسبة دائما أو في الأ كثر. وهذا المعنى من معاني " ما بذاته " يقابل ما هو بالعرض.
مخ ۲۴