(70) ويلحق الكليات التي تعرف من مشار إليه مشار إليه من التي ليس في موضوع أن يقال لها جواهر من جهتين، من جهة أنها جواهر على الإطلاق ومن جهة أنها جواهر مشار إليه مشار إليه من التي ليست في موضوع. والمشار إليه الذي لا في موضوع يلحقه أن يقال إنه جوهر من جهة واحدة فقط، وهو أن يكون جوهرا على الإطلاق لا جوهرا لشيء أصلا. ويلحق كليات سائر المقولات أن تكون جوهر مضافة إلى شيء ما فقط، وهي أن تكون جواهر ما يوجد في حدودها لا جوهر على الإطلاق، فتصير أيضا جواهر من جهة واحدة فقط. وأما المشار إليه الذي هو في موضوع فإنه ليس يقال فيه إنه جوهر أصلا، لا بالإضافة ولا بالإطلاق. والسموات والكواكب والأرض والهواء والماء والنار والحيوان والنبات والإنسان يقال إنها جواهر، إذ كانت إما مشاراإليها لا في موضوع وإما أن تعرف ما هو مشار إليه مشار إليه من التي ليست في موضوع. وكذلك كل ما يعرف في نوع نوع من أنواع ما هو مشار إليه لا في موضوع ما هو أيضا جوهر على الإطلاق. فلذلك إذا كان شيء ما ظن أنه يعرف في مشار إليه مشار إليه من التي ليست تقال في موضوع أو في نوع نوع من أنواعه ما هو، قيل فيه إنه جوهر.
(71) وإذا كان يظن بما عرف ماهو في كل واحد أن به يقام ذلك الشيء وأنه سبب حصوله ذاتا وجوهرا، ظن بكل واحد ظن به أنه يعرف ماهو في شيء شيء من تلك أنها ليست جواهر فقط، بل أحرى أن تكون أو تسمى جواهر. فلذلك لما ظن قوم أن كليات هذه من أجناس وفصول هي التي تعرف ماهياتها، ظنوا أنها هي أحرى أن تكون جواهر من هذه. ولما ظن قوم أن الجسم والمصمت، وأن كونها جسما ومصمتا، وأن يقال فيها إنه جسم أو مصمت، هو الذي يعرف ماهياتها، ظن أن الجسم والمصمت هو أحرى أن يكون جوهرا من هذه. ولما ظن قوم أن قوام هذه بالطول والعرض والعمق، جعلوا هذه الثلاثة أحرى أن تكون جواهر من الجسم. ولما ظن أن الطول وكل واحد من الباقين إنما تلتئم من نقط، وظن بالنقط أنها هي جواهر أكثر من الباقية، وأنها هي التي تعرف ماهياتها ( الطول والعرض والعمق )، وهذه الثلاثة هي التي هي بها ماهيات الجسم والمصمت، صارت النقط هي أحرى أن تكون جواهر على الإطلاق، وأحرى أن تكون جواهر من هذه، وأنها أقدمها كلها في أن تكون جواهر، إذ كانت لا تنقسم إلى أشياء أخر بها التئام ذواتها. ولما ظن آخرون أن الأجسام إنما تلتئم باجتماع الأجزاء التي لا تنقسم، قالوا في الأجزاء التي لا تنقسم إنها هي من الجواهر، أو أحرى أن تكون جواهر. وكل من ظن أن ماهية كل واحد من المشار إليه الذي لا يقال في موضوع، أو ماهية نوعه، بمادته شيء ما، وظن أنها واحد - مثل الماء والنار والأرض والهواء وأشياء غير ذلك - قال في ذلك الشيء إنه جوهر، وإنه أحرى أن يكون جوهرا على الإطلاق، وأحرى أن يكون جوهرا للشيء الكائن عنه، وإن جوهر كل واحد من الأشياء واحد، أو جوهر الأشياء كلها واحد. ومن رأى أن مادة كل واحد من هذه كثيرة متناهية، قال فيها إنها جواهر كثيرة، وإن جواهر كل مشار إليه أو أنواع كل مشار إليه كثيرة، إما متناهية وإما غير متناهية. ومن رأى أن كل واحد من هذه إنما يحصل أن يكون ذاتا ما بالتئام مادة وصورة، وأن هاتين اللتان تعرفان ماهيته، قال في كل واحدة من هذه إنها جوهر. ونظر في كل واحد من هذه أي شيء مادته وأي شيء صورته. فالشيء الذي يظنه ظان أنه هو صورة شيء والذي يظنه مادته، فإياه يسمى الجوهر، أو يجعله أحرى أن يكون جوهرا من المشار إليه أو من نوع المشار إليه.
مخ ۲۲