(67) وأما في الفلسفة فإن الجوهر يقال على المشار إليه الذي هو لا في موضوع أصلا. ويقال على كل محمول عرف ما هو هذا المشار إليه من نوع أو جنس أو فصل، وعلى ما عرف ماهية نوع نوع من أنواع هذا المشار إليه وما به ماهيته وقوامه - وظاهر أن ما عرف ما هو نوع نوع من أنواع هذا المشار إليه فهو يعرف ما هو هذا المشار إليه. وقد يقال على العموم علىما عرف ماهية أي شيء كان من أنواع جميع المقولات، وعلى ما به قوام ذاته، وهو الذي بالتئام بعضها إلى بعض تحصل ذات الشيء، وهي التي إذا عقلت يكون قد عقل الشيء نفسه ملخصا بأجزائه التي بها قوام ذاته أو ملخصا بالأشياء التي بها قوام ذاته، وهو الذي بالتئام بعضها إلى بعض يحصل ذلك الشيء - أي شيء كان. فلذلك تسمع المتفلسفين يقولون: " الحد " يعرف جوهر الشيء، ويدل " قوام " على جوهر الشيء. فإنهم يعنون بالجوهر ههنا الأشياء التي بالتئام بعضها إلى بعض تحصل ذات الشيء، وهي التي إذا عقلت يكون قد عقل الشيء نفسه ملخصا بأجزائه التي بها يقوم ذاته أو ملخصا بالأشياء التي بها قوام ذاته. فإن هذا المعنى الثالث من معاني الجوهر جوهر مضاف ومقيد بشيء، وليس يقال إنه جوهر على الإطلاق، وإنما يقال إنه جوهر لشيء ما. وأما المعنى الأول فإنه إنه جوهر على الإطلاق. والمعنى الثاني يقال أيضا إنه جوهر على الإطلاق، إذ كان معقول المشار إليه الذي لا في موضوع، ومعقول الشيء هو الشيء بعينه، إلا أن معقوله هو ذلك الشيء من حيث هو في النفس، والشيء هو ذلك المعقول من حيث هو خارج النفس.
(68) ويشبه أن يكون هذان إنما سميا جوهرا على الإطلاق لأجل أنهما مستغنيان في ماهيتهما وفي ما يتقومان به عن سائر المقولات، وباقي المقولات محتاجة في أن تحصل لها ماهيتها إلى هذه المقولة، فإن ماهية كل واحدة منها لا بد أن يكون فيهاشيء مما في هذه المقولة. فهذه المقولة هي بالإضافة إلى باقيها مستغنية عنها. وفي باقي المقولات شيء من هذه، فإن جنس ذلك النوع أو جنس جنسه لا بد أن يصرح فيه ببعض أنواع هذه المقولة. ويشبه أن تكون هذه المقولة هي بالإضافة إلى باقيها مستغنية عنها وباقيها مفتقر إليها - فهي لذلك أكمل وأوثق وجودا وأنفس وجودا بالإضافة إلى باقيها - وأنه ليس هناك شيء آخر نسبة هذه المقولة إليه كنسبة باقي المقولات إليه. فيشبه أن يكونوا نقلوا إليها هذا الاسم من الحجر الذي هو أنفس الأموال عند الجمهور وأجلها وأحرى أن يقال في أثمانها - على قلة غنائها في الأشياء الضرورية، بل لا مدخل لها أصلا في شيء من الضرورية ولا في السعادة - " إن لم تكن السعادات كفت مكانها " . فرأوا أن نسبة هذه المقولة وهذا المشار إليه إلى باقي المقولات نسبة هذه الحجارة إلى سائر ما يقتنيه الإنسان، فسمي لذلك باسمه. فلذلك قد تقع المقايسة بين هذا المشار إليه وبين كلياته، فينظر أيهما أحرى أن يكون له هذا المعنى الذي قيل لكل واحد منهما بأنه جوهر، وهو أيهما أوثق وجودا وأكمل. فإن أرسطوطاليس يسمي المشار إليه الذي لا في موضوع " الجوهر الأول " وكلياته " الجواهر الثواني " ، إذ كانت تلك هي الموجودة خارج النفس وهذه إنما تحصل في النفس بعد تلك، وسائر الأشياء التي قيلت في كتاب " المقولات " . فهذه هي الجواهر على الإطلاق.
(69) وأما المعنى الثالث فإنه جوهر مضاف، ونقل إليه هذا الاسم عن المعاني التي يسميها الجمهور الجوهر على أنه جوهر لشيء ما، مثل جوهر الذهب أو جوهر زيد أو جوهر هذا الثوب. فيكون المعنى الذي تسمي الفلاسفة جوهرا على الإطلاق إنما نقل إليه اسم الجوهر عن الذي يسميه الجمهور جوهرا على الإطلاق، والمعنى الذي تسميه الجمهور بالإضافة إلى شيء ما إنما نقل إليه اسم الجوهر عن المعنى الذي يسميه الجمهور جوهرا بالإضافة إلى شيء ما.
مخ ۲۱