وضنت: بخلت علينا بما لو بذلته، لم يكن عليها فيه من ريبة! وقوله: ما كان يرزؤها: جملة في موضع الصفة لشيء، كأنه قال: شيء غير رازٍ لها، وخير إن في قوله: ضنت.
وقوله: والله يكلؤها: اعتراض بين اسم إن وخبرها، لا موضع لها من الإعراب.
وهذه القصيدة مما اختارها الأصمعي من القصائد المهموزات، وبعد هذا البيت:
وعَوَّدَتْني فيما تُعوَّدُ بِي أظماءَ وِرْد، ما كنتُ أَجْزؤها
ولا أراها تزال ظالمة ... تحدث لي قَرْحَةً وتَنْكَؤُهَا
والأظماء - جمع ظم، وهو ما بين الشرب إلى الشرب، وضربها مثلا، أراد أنها تصله، ثم تقطعه مدة، كما تسقى الإبل أربعًا وخمسًا، ونحو ذلك إلى العشر، وهو نهاية الأظماء.
ويقال: جزأت الإبل، وغيرها، إذا استغنت بأكل النبات الأخضر عن شرب الماء، والنكأ: أن يقشر الجرح.
والمعنى: تحدث لي جرحًا وتتلوه بآخر، كما قال ذو الرمة:
ولكن يكُ القَرْح بالْقَرْح أَوْجع
وأراد: وأراها لا تزال ظالمة، فقدم لا عن موضعها، كما قال الآخر:
خالفْ فَلاَ وَاللهِ تَهْبِطُ تَلْعَةً ... مِنَ الأرْض إِلاّ أنْتَ للذُّلِّ عَارِفُ
وأنشد أبو القاسم في باب: المذكر والمؤنث:
كَافًا وَمِيمَيْنِ وَسِينًا طاسِمًا.
هذا الرجز: لا أعلم قائله، وقبله:
تخال منها اْلأَرْسُم الرَّواسِمَا
شبه رسوم الدار، بكتاب قد درس، ولم يخص هذه الحروف دون غيرها بمعنى، ويحتمل أن يكون راى هذه الحروف في كتابه، فسأل عنها ما هي؟ فقيل: هي كاف وميمان، وسين؛ لأن العرب أكثرهم لا يميز الحروف!.
ويروى أن أبا حية النميري قيل له: أنشدنا قصيدة على روى الكاف، فأنشد:
كَفَى بالنَّأْي مِنْ أسماءَ كافٍ ... ولَيْسَ لحبها ما عِشْتُ شَافٍ
ولأجل هذا ينسبون الخط إلى النصارى واليهود؛ لأنهم كانوا أصحاب كتب، ولم يكن للعرب كتاب ألا ترى إلى قول امرئ القيس:
أتتْ حِجَجٌ بَعْدي عليها فأصْبَحَتْ ... كخطِّ زَبُور في مصاحف رُهْبَان؟
وقال أبو حية النميري:
كما خُطَّ الكتابُ بكفْ يومًا يَهُويٍّ أَوْ يُزِيلُ
وذكر أبو حاتم الرازي، أنه قبل لأعرابي: ما القلم؟ فجعل ينظر إلى أصابعه ساعة، ثم قال: لا أدري! فقيل له: توهمه في نفسك.
فقال، هو عود قلم من جوانبه، كما قلم الأظفور.
والطاسم - والطامس -: سوادهما الدارس.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
........... ... كما بُيِّنَتْ كافٌ تَلُوحُ ومِيمُها
هذا البيت: للراعي وصدره:
أَشَاقتكَ أطلالٌ تَعَفَّتْ رُسُومُها
وإنما شهوا آثار الديار بحروف المعجم؛ لأنه يستدل بها، كما يستدل بالحروف، ولذلك جعلوها تبين من الآثار ماله نظير في الكلام والمنطق مثل قول زهير:
أمِنْ أَمِّ أوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بِحَوْمَانَةَ الدَّرَّاج فالْمتَثَلَّمِ
وقال جميل:
ألمْ تَسْأَل الرَّبْعَ الخَوَاءَ فَيَنْطقُ ... وهَلْ تُخْبرَنْكَ الْيومَ بَيدَاءُ سِملَقُ
ويروى: بينت على صيغة ما لم يسم فاعله، وبينت، بفتح الباء والياء، وهو أجود.
وأنشد أبو القاسم في باب أمس:
لَقَدْ رأيت عجبا مُذْ أمْسَا ... عَجَائِزًا مِثْل السَّعالِي خَمْسا
السعالي: سواحر الجن، واحدتها: سعلاة، وبعد هذين البيتين.
يَأْكُلْنَ مَا جَمَعْنَ هَمْسَا
لاَ تركَ الله لُهَنَّ ضِرْسَا
ولا لَقِينَ الدَّهْرَ الًاّ تَعْسَا!!
الهمس: الصوت الخفي، والتعس: السقوط على الوجه، والنكس: السقوط على القفي.
وأنشد أبو القاسم في باب: الحروف التي يرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر وتسمى حروف الخفض: -
بينا تَعَنُّقِهِ الكُمَاةَ ورَوْغِهِ ... يومًا أُتيحُ لَهُ جَرئٌ سَلْفَعُ
هذا البيت: لأبي ذؤيب الهذلي.
وقبله:
والدَّهْر لا يَبْقَى على حَدثَانِهِ ... مستشعرٌ حَلَقَ الحديد مقَنَّعُ
تَعْدو به خوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيها ... حَلَقَ الرِّحالة فهي رِخْو تَمرَعُ
المستشعر: الذي لبس الدرع، وصيرها لجسمه كالشعار، وهو ما يلي الجسم من الثياب.
والمقنع: الذي على رأسه قناع من حديد، يعنى البيضة:
1 / 65