وقال ابن الأعرابي: سمي نابغة، لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر، ثم قال بعد ذلك الشعر، وهذا قول محمد بن حبيب، وقال حماد الراوية قرأت على القحذمي، قال: قال النابغة الشعر في الجاهلية، ثم أجبل دهرًا، ثم نبغ بعد ذلك بالشعر في الإسلام وكان يقال في شعره: خمار بوافٍ، ومطرف بآلاف!.
يريدون: أن شعره لا يتناسب: بعضه جيد، وبعضه ردئ، كذا قال ابن قتيبة.
وذكر غيره: أن هذا إنما كان يقال في شعر الكميت.
وعاش النابغة الجعدي مائة وعشرين سنة، فيما ذكره ابن قتيبة وذكر أن عمر بن الخطاب ﵁ سأله عن قوله في شعره:
لبست أُنَاسًا فأفْنَيْتُهم ... وأَفْنَيْتُ بَعْد أُناس أُناسَا
ثلاثةَ أهْلين أفْنيتُهم ... وكان الإلَهُ هو المسْتَآسَا!
فقال له: كم لبثت في كل أهلٍ؟ فقال: ستين سنة، فهذه مائة وثمانون سنة، ثم عمر بعد ذلك، ومات في أيام الحجاج!.
والذي قال ابن قتيبة أشبه بالصحة، لقول النابغة في مهاجاته للأخطل:
فمنْ يكُ سائلًا عنَّي فإِنِّي ... من الفِتْيان أُيّامَ الخُنَان
مَضَتْ مائةٌ لِعَامُ ولِدتُ فيه ... وعَشْر بَعْد ذاك وحِجَّتان
فقد أبقت خطوب الدهر منِّي ... كما أبقت من السَّيْف اليماني!
ويروى: ويصهل: - بكسر الهاء وفتحها - والطوى: البئر المطوية بالحجارة، وشبه بها جوف الفرس في عظمه: والمعرب: العالم للخيل العراب، ويكون أيضًا الذي له خيل عراب.
وقوله: تبين للمعرب جملة في موضع الصفة للصهيل، والتقدير: تبين المعرب أنه عتيق، فحذف المفعول، كما حذفه من قوله:
حَتَّى لَحِقْنَا بهمْ تُعْدِي فَوَارسُنَا ... كأَنَّهَا رَعْنُ قفٍّ يرفع الآلاء!
أي تعدي فوارسنا الخيل.
ويجوز أن يكون من قولهم: تبين الأمر، إذا ظهر، بمعنى بان، ولذلك قالوا في المثل: قد تبين الصبح لذي عينين! - فلا يكون في الكلام حذف.
وقبله:
كأن مَقَطَّ شَرا سَيْفِهِ ... إلى طرفِ القُنُب فالمنْقب
لُطمْن بتُرْسٍ شديد الصِّفا ... قِ مِن خشَبِ الجوْز يُثَقَّبِ
وأنشد أبو القاسم في باب الهجاء:
فإنَّ المنِيَّةَ مَنْ يَخْشَهَا ... فَسَوءفُ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا!
هذا البيت: للنمر بن ثولب العكلي.
والنمر: اسم منقول من النمر، الذي هو نوع من السباع والنمر من السحاب: ما كان فيه حمرة وبياض وسواد، شبه بالسبع لاختلاف ألوانه، ورجل نمر: غضبان، معبس، ونمر: قبيلة، ونمر: جمع نمرة، وهي نوع من الثياب.
واختلف في قول طرفة:
ثَمَّ زَارَتْنِي وصَحْبِي هُجَّعٌ ... في خليطَيِن: بُردٍ ونَمر
فقيل: هما ثوبان، وقيل: قبيلتان! والتولب: ولد الحمار.
والعكل: اسم مرتجل من قولهم: عكل عليه، إذا حمل عليه وعكل الشيء إذا حبسه، وعكله: إذا جمعه بعد تفرقه، قال الشاعر:
وهُمُ على شَرَفِ الأميل تداركوا ... نَعَمًا تُشَلُّ إلى الرَّئيسِ وتُعْكَل
وكان أبو حاتم السجستاني يزعم: أن العرب لا تقول إلا: النمر بن تولب بسكون الميم - وهذا إنما هو على تخفيف الكسرة.
وقبل بيت النمر:
وإنْ أنْتَ لاقيتَ في نجْدة ... فَلاَ تَتَهَيَّبْكَ أنْ تَقْدِمَا
وقال أصحاب المعاني: أراد فلا تتهيب أن تقدم عليها، كما قال ابن مقبل:
وَلاَ تَهيَّبُني الموْماةُ أركبُها ... إِذا تجاوَبَست الأَصْداءُ بالسَّحَر
أراد: ولا أتهيب.
ويجوز عندي أن تكون الكاف حرف خطاب، لا موضع لها من الإعراب، كالكاف في أرأيتك زيدًا ما صنع؟، والنجاءك يا رجل!، فلا يكون مقلوبًا وكأنه قال: فلا تتهيب أن تقدم.
والنجدة: الشدة.
وأنشد أبو القاسم في باب: أحكام الهمزة في الخط.
إنَّ سُلَيْمَىَ واللهُ يَكْلَؤهُا ضَنَّتْ بِشَئ ما كانَ يَرْزَؤُها
هذا البيت: لإبراهيم بن هرمة القرشي وهرمة: اسم منقول من الهرم وهو نبت رخو، واحدتها: هرمة، قال الحارث بن وعيلة:
وَوَطِئْتَنَا وَطْءَا على حَنْق ... وَطْأَ المقيَّدَ يابسَ الهرْمِ
ومعنى يكلؤها: يحفظها ويحرسها.
1 / 64