ألاَ ظَعَنَتْ مَيُّ فهاتيك دارُها ... بها السُّحْم تَرْدى والْحَمَام المطوَّقُ
ويروى أن أعرابيًا قدم من سفره، فوجد امرأته قد ولدت، فأنكر الولد فقال:
لتقعُدِنَّ مِنِّي مَقْعَد الْقَصِيّ
مِنِّي ذُو القَاذُورَةِ المقْلِيِّ
أو يَحْلِفِي بربِّك الْعَلِيِّ
أنِّي أبُو ذَيَّالِكَ الصَّبيِّ
فقالت مجيبة له:
لاَ، والَّذِي رَدَّكَ يا صَفييِّ
مَا مَسَّنِي بَعْدكَ مِنْ إِنْسِيِّ
غَيْرُ غُلامٍ وَاحِدٍ صَبِيٍّ
بعد أمرأينِ مِنْ بَنيِ عَدِيٍّ
ثم امرأين مِنْ بِني بليّ
ها: وخمسة كَانُوا عَلَى الطَويّ
وتسعة جاءوا مَعَ الْعشِيِّ
وغير تركيّ ونصرانيّ!.
فقام إليها الأعرابي وسد فاها، وقال: اسكتي قبحك الله!.
وقال: والله لول أني سددت فاك لذكرك الإنس والجن!.
وقوله: ألا قل لتيا مخاطبة منه لنفسه.
وقوله بعده:
على قِيلها يَوْمَ التقينا وَمِنْ يكن ... على منطق الواشين يُصْرم ويصْرِم
أجدك لم تأخذ ليالي تلتقي ... شفاءك في حول جديد محرّم
سلام وتعطى كل شيء سألته ... ومن يكثر التَّسْآل لابدّ يُحرمِ
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
بكُل قريشيٍّ عَلَيْه مَهَابةٌ ... سَرِيعٌ إِلَى دَاعِي النَّدَى والتكرُّمِ
هذا البيت: لا أعلم قائله.
وقبل هذا البيت:
ولَسْتُ بِشَاوِيٍّ عَلَى دَمَامَةٌ ... إِذَا مَا غَدَا يَغْدُو بَقَوْسٍ وأَسْهُمِ
ولكنما أغدو عليَّ مُفَاضَةٌ ... دِلاصُ كأَعْيَانِ الِجْرَادِ المنَظَّمِ
الشاوي: الذي يرعى الشاء، والدمامة: بدال غير معجمة: الحقارة والمهانة، والدلاص: المصقولة البراقة.
وصف نفسه بأنه ليس من رعاة الغنم والمحتقرين، وأنه من الفرسان، الذين يستنجد بهم في الحرب!.
وأنشد أبو القاسم أيضًا في هذا الباب:
وتَضَحكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةْ ... كأنْ لم تَريْ قَبْلي أَسيرًا يَمَانيا!
هذا البيت: لعبد يغوث بن وقاص الحارثي، وكان أسر يوم الكلاب، أسرته التيم، وكانوا يطلبونه بدم رجل منهم، فعلم أنه مقتول، فقال هذا الشعر بنوح على نفسه.
وقد تقدمت منه ستة أبيات في باب النداء.
وبعد هذا البيت:
وظَلَّ نِسَاءُ التَّيْم حَوْلي رُكُّدًا ... يُرَاوِدْنَ مِنِّي مَا يُرِيدُ نِسَائِنَا
وقد عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّنِي ... أَنَا اللَّيثُ مَعْديًّا عَلَيَّ وَعَادِيَا
وقد كنت نحَّارَ الجزورِ ومُعْمِل ال ... مَطيِّ وأَمضِي حَيْثُ لاَ حَيَّ مَاضِيَا
وقوله: كأن لم ترى قبلي ... رجوع من الإخبار إلى الخطاب، كما قال عنترة:
شطَّت مَزَارُ العَاشِقين فأَصْبحت ... عَسِرًا عَلَيَّ طِلاَبُك ابنَةَ مَحْرَمِ
ويروى: كأن لم ترى قبلي - على الإخبار.
وكان الوجه أن يقول: كأن لم تر - بحذف الألف للجزم. وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون أثبت الألف ضرورة، كما قال الراجز.
إذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطلِّقِ
ولا ترضَّاهَا وَلاَ تَمَلَّقِ
والثاني: أن يكون على لغة من يقول: راء، مقلوبًا من رأى على مثال: خافٍ، فجزم، فصار لم ترأ، على مثال ثم تخففت الهمزة، فقلبها ألفًا لانفتاح ما قبلها، كما يقال في قوله: قرأ: قرا، وراء: لغة مشهورة، منها قول كثير:
وكلُّ خليلٍ رَاءَنِي فَهْوَ قائل: ... مِن أجْلِكَ هَذَا هَامَةٌ اليومَ أوْ غَدَا
وكأن: مخففة من كأن، واسمها مضمر فيها، تقديره على الأول: كأنك لم ترى، وعلى القول الثاني: كأنها لم تر.
وأنشد أبو القاسم في باب: المعرب والمبني:
ويَصْهَلُ فِي مِثْلِ جَوْفِ الطَّوِيِّ ... صَهِيْلًا تَبَيَّن لِلْعْرِبِ
هذا البيت: للنابغة الجعدي، واسمه: حبان بن قيس بن عبد الله، ويكنى: أبا ليلى، هذا قول أبي عمرو الشيباني، والقحذمي.
وقال ابن قتيبة: هو عبد الله بن قيس، وقال محمد بن سلام: هو قيس بن عبد الله.
1 / 63