إلاّ أَوَارِيَّ لْيًا ما أُبَيِّنُها ... والنُّؤْيُ كَالحْوْضِ بالمظلومة الجَلَدِ
هذان البيتان: من مشهور شعر النابغة الذبياني.
أُصيْلاَنًا: تصغير أَصِيل، على غير قياس، كأنَّه تصغير أًصْلاَن، وهذا عكس قياس التصغير؛ لأن الجمع إذا صغر يصغر على لفظ واحده، وجاء هذا مصغرًا على لفظ جمعه.
ويروى: وقفت فيها أصيلالًا - باللام.
ويروى وقفت فيها أصيلًا كي تكلمني.
وجوابا: انتصب على وجهين؛ أحدهما: أن يريد: عيت بجواب، فحذف حرف الجر، ونصب كما قال:
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَ أمرتَ بِهِ ... فَقَدْ تركتُكَ ذَا مالٍ وذا نَشَبٍ
ومنهم من رأى أن نصبه إنما هو لسقوط الخافض فقط، دون أن يعمل فيه عامل آخر، غير الحرف الساقط، وهو مذهب الكوفيين.
وهو عند البصريين خطأ، لأنه لو كان سقوط الخافض موجبا للنصب، لوجب لكل ما سقط منه حرف الجر أن ينتصب، ونحن نجد حروف الجر تسقط، ويرتفع ما كان مجرورًا بها، كقولك. ما جاءني من أحدس، و" كفى بالله شهيدًا "، ألا ترى أن هذين الجارين إذا سقطا ارتفع ما كان مجرورا بهما؟ وكذلك من زعم أن العامل الساقط هو الذي نصب دون عاملٍ آخر، فقوله خطأ؛ لأنه يلزم من ذلك: أن يكون الفعل في حال وجوده: يتعدى بواسطة، وفي حال عدمه: يتعدى بغير واسطة، والشيء في حال وجوده أقوى منه في حال عدمه، فإذا كان في أقوى حاليه لا يتعدى إلا بواسطة، فكيف يتعدى في أضعف حاليه بغير واسطه؟! ويدل على استحالة هذا: ارتفاع بعض المجرورات إذا سقط الجار كقولك: ما جاءني من أحد، ثم تقول: ما جاءني أحد، فيجب أن تكون من تخفض في حال ظهورها، ويرفع أحد في حال سقوطها؛ لأنه لابد من عامل رافع سوى العامل الساقط.
ويجوز أن ينتصب جوابًا على التمييز المنقول من الفاعل المنقول، فيكون من باب: تفقأ زيد شحمًا، واشتعل الرأس شيبًا، كأنه أراد عي حوابها، ثم نقل الفعل عن الجواب إلى الدار، ونصب.
ويدل على صحة هذا الوجه أنهم صرحوا بذلك في نحو قول الهذلي:
وقفتُ بِرسْمهَا فَعَيَّ جَوابُها ... فقلتُ وعيني دَمْعُهَا سَرِبٌ هَمِر:
وقوله: أسائلها: في موضع نصب على الحال، ولك أن تجعلها حالًا من التاء في وقفت، فتكون حالًا جاريةً على من هي له.
ولك أن تجعلها حالا من الضمير الذي في فيها وتكون حالا جارية على غير من هي له.
وإنما جاز ذلك؛ لأن في أسائلها ضميرًا راجعًا إلى السائل، وضميرًا راجعًا إلى المسئول، فاستتر الضمير مع جريان الحال على غير من هي له: لأن الفعل يستتر فيه ضمير الجنبي، وغير الأجنبي لقوته في الإضمار.
ولو صيرت الجملة حالا محضة، لقلت - إذا كان الحال من التاء -: وقعت فيها أصيلا مسائلها، وغذا كانت حالا من الضمير قلت: مسائلها إياها، فأظهرت الضمير.
ولا يجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من الضميرين جميعًا على حد قولك: لقيته راكبين، لاختلاف العاملين، ولما في ذلك من التناقض!.
وقوله: عيت جوابًا: جملة لا موضع لها من الإعراب.
وقوله: وما بالربع من أحد، إن شئت جعلتها جملةً لا موضع لها، وإن شئت كانت في موضع الحال من الضمير في عيت، أو من الضمير في أسائلها، ويلزمك على هذا أن تقدر في الجملة ضميرًا يعود على صاحب الحال، كأنك قلت: وما بالربع منها.
وعلى رأي الكوفيين تكون الألف واللام معاقبتين للضمير، كأنه قال: وما بربعها، على حد قولهم: عبد الله، أما المال فكثير، وأما الخلق فحسن، ولو جعل جاعل عيت جوابًا في موضع الحال: من الهاء التي هي ضمير الدار، وأضمر قد لتقريب الماضي من الحال: لم يكن بعيدًا!.
وقوله: إلا أواري فيها وجهان.
النصب على الاستثناء، والرفع على البدل من موضع من أحد لأن من: زائدة، وأحد مرفوع في المعنى، وإن كان مخفوضا في اللفظ، وليس ببدل من موضع الجار وحده، ولا من موضع المجرور وحده، ولكنها بدل من موضعهما معًا.
ويروى عن الكسائي: أنه أجاز خفض الأواري على البدل من لفظ أحد.
وهذا عند البصريين خطأ، لأنه يصير التقدير: وما بالربع إلا من أواري، فتكون من زائدة في الواجب، ومن لا تزاد إلا في النفي، ولو أنها من التي تدخل على الموجب والمنفي، لجاز ذلك، كقولك: ما أخذت من أحد إلا زيد درهمًا.
1 / 59