والحرْبُ لا يبقى لِجَا ... حِمِهَا التَّخَيُّلُ وَالمْراحُ
إلاَّ الفَتَى الصَّبَّار في النّجِدات والفرس الْوَقَاحُ
من صدّ عن نِيرانها ... فأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ
كشفتْ لَنَا عن سَاقِهَا ... وبَدَا لَنَا مِنْهَا الصُّراحُ
فلما انقضى يوم التحالق، وكان الظهور ذلك اليوم لبكر على تغلب، قال الحارث لسعد بن مالك: أتراني فيمن وضعته الحرب؟ فقال: لا، ولكن لا مخبأ لعطر بعد عروس!.
فذهبت مثلا - ومعناه: إن لم تنصر قومك الآن، فلمن تدخر نصرك؟! ومعنى وضعت أراهط: أي أسقطتهم فلم يكن لهم ذكر في هذه الحرب فاستراحوا من مكابدة شرها، ومقاساة حرها.
وأراهط: جمع رهط، وقد جاء أراهط مستعملا على أرهط، قال رؤية:
هو الذَّلِيلُ نَفَرًا في أَرْهُطِه
وأكثر النحويين؛ يرى أن أراهط جمع رهط على غير قياس.
والتخيل: الخيلاء، والمراح: النشاط.
وجاحمها: جحيمها، والنجدات الشدائد.
والنعامة: اسم فرس الحارث بن عباد.
ومعنى لقحت حملت، والحيال أن يضرب الفحل الناقة فلا تحمل، يقال: كانت حرب بكر وتغلب قبل اليوم حيالًا، أي بمنزلة الناقة الحائل، فصارت اليوم بمنزلة الولود!.
وإنما ضرب ذلك مثلا لما يولد من الحرب، من الأمور التي لم تكن تحتسب! ثم حلف الحارث بن عباد لا يصالح تغلب حتى تكله الأرض!!.
فلما كثرت وقائعه في تغلب، ورأت تغلب أنها لا تقدر على مقاومته، حفروا سربا تحت الأرض، فأدخلوا فيه إنسانًا، وقالوا له: إذا مر الحارث بك فتغن بهذا الشعر:
أَبَا مُنذِرٍ أفنيْتَ فاسْتَبْقِ بعْضَنَا ... حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشر أهْوَنُ مِنْ بعض
فلما مر الحارث على ذلك الموضع اندفع الرجل يتغنى في السرب بهذا البيت، فقيل للحارث: قد بر قسمك، فايق بقية قومك، ففعل!.
وأنشد أبو القاسم في باب ما رخمت الشعراء، في غير النداء اضطرارًا:
ألاَ أضْحتْ حِبالكُمُ رِمَامًا ... وأضحَتْ مِنكَ شَاسِعةً أُمَامَا
هذا البيت: لجرير بن الخطفي.
وأراد ب الحبال: العهود والمواصلة التي كانت بينهما.
ورمام: جمع رمة، وهي القطعة من الحبل البالية.
والشاسعة: البعيدة.
هكذا أنشده سيبويه شاهدًا على جواز الترخيم في ضرورة الشعر على لغة من يقول: يا حار بكسر الراء.
وزعم أبو العباس محمد بن يزيد، أنه قرأ على عمارة، بن عقيل، بن بلال، بن جرير:
وما عَهْدٌ كَعهْدِك يا أُمَامَا
وهذا لا ضرورة فيه.
وبعد هذا البيت:
يشقُّ بِها الْعَاقِلَ مؤْجَدَاتٌ ... وكلِّ عَرَنْدَسٍ يَنْفِي اللُّغَامَا
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
أَلاَمَا لهذَا الدَّهر مِنْ متعَلَّلِ ... على النَّاسِ مَهْمَا شَاءَ بالنَّاسِ يفْعَلِ!
وهَذَا رِدَائِي عِنْدهُ يَسْتَعِيرُهُ ... ليْسلَبَنِي نَفْسِي، أَمَالِ بن حَنْظَلِ
هذا الشعر: للأسود بن يعفر التميمي: والأسود: اسم منقول عن الأسود الذي هو ضد الأبيض، والأسود الذي يراد به الحية، أو الأسود الذي يراد به حبة القلوب، أو سواد العين.
ويعفر: منقول من مستقبل عفر، بمنزلة يشكر، منقول من مستقبل شكر يقال: عفرت الزرع؛ إذا سقيته أول أمره، وعفرت النخل: إذا ألقحته، وعفرت الرحل في التراب، وعفر الرجل - بضم الفاء - عفارة إذا خبث وتنكر. وفيه ثلاث لغات؛ يعفر - بفتح الياء وضم الفاء -، ويعفر - بضم للياء وفتح الفاء - ويعفر - بضم الياء والفاء -.
فمن ضم الياء والفاء صرفه، وفي الوجهين الآخرين لا ينصرف. ومن روى ألا ما لهذا الدهر من متعلل كسر اللام، لأنه اسم فاعل من تعلل.
ومن روى: ألا هل لهذا الدهر ... فتح اللام من متعلل: لأنه مصدر بمنزلة التعلل.
وأراد بالرداء هاهنا الشباب، يقول.
الدهر يأخذ شبابي، ويعوضني منه الهرم ليدرجني بذلك إلى الهرم والموت!.
وهو مثل قول امرئ القيس.
إلى عِرْق الثَّرى وشجَتْ عُروقي ... وهذا الموتُ يَسْلُبُني شبَابِي
وقوله: من متعلل: في رواية من روى ألا ما لهذا الدهر: من ههنا التي تقدر مع التمييز، فإذا سقطت انتصب الاسم كقول الآخر:
يا فارسًا ما أنت من فارس ... موَّطإ الأكْنَافِ رحب الذِّراع!
1 / 44