وحبوتَنِي بصحيفةٍ مختومةٍ ... تَخْشَى عليّ بها حِبَاء النِّقْرَسِ
أَلْقِ الصحيفةَ يا فرزدقُ لا تكن ... نكْرَاءَ مِثْلَ صَحِيفَةِ المتَلمِّس
وخرج فارًا حتى أتى سعيد بن العاص، وعنده الحسن والحسين ﵉ وعبد الله بن جعفر، فأخبرهم الخبر، فأمر له كل واحد منهم بمائة دينار ولاراحلة، وتوجه إلى البصرة.
وقيل لمروان: أخطأت فيما فعلت؛ فإنك عرضت عرضك لشاعر مضر!! فوجه وراءه رسولًا ومعه مائة دينار وراحلة؛ خوفا من هجائه!.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
كِلِينِي لَهمٍّ يا أميمةَ نَاصِبِ ... ولَيْلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيئ الكواكِب
هذا البيت: من مشهور شعره النابغة الذبياني، وكان يكنى: أبا أمامة، وأبا عقرب - بابنتين كانتا له.
واختلف في تسمية النابغة نابغة: فقيل: سمي بذلك؛ لأنه قال الشعر بعد ما كبر - يقال نبغ الرجل إذا لم يكن يقول الشعر، ثم قاله.
وقيل: سمي نابغة لقوله:
نأَتْ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوًى شَطونُ ... فَبَاتَتْ وَالْفُؤادُ بِهَا رَهِينُ
وحلَّتْ في بَنِي القَيْنِ بن جَسْرٍ ... فقد نَبغَتْ لَنَا مِنْهُم شُؤُونُ
وقيل: هو مشتق من نبغت الحمامة إذا تعبت، قال ذلك الرياشي، وحكى ابن ولاد أنه قال: نبع الماء، ونبغ، فكأنهم أرادوا: أن له مادةً من الشعر لا تنقطع، كمادة الماء النابغ.! والناصب: المتعب، وكان قياسه أن يقول: منصب، كما قال طفيل:
تَعَنَّاكَ نَصْبَ من أُمَيْةَ مُنْصِبُ
ولكنه جاء على معنى النسب، أو على حذف الزيادة من الفعل، كما قال: أورس الشجر فهو وارس، وأبقل المكان فهو باقل: وقوله: بطئ الكواكب أراد أن الليل لطوله، يخيل إلى الساهر فيه أن كواكبه لا تبرح! وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
قالتْ بَنُو عَامِرٍ خَالُوا بني أَسَدٍ ... يا بؤسَ لِلْجهلِ ضرَّارًا لأَقْوَامِ!
هذا البيت: من مشهور شعر النابغة.
ومعنى خالوا بني أسد: تاركوهم، يقال: خالي الرجل أهله، إذا طلقها.
وكانت ذبيان أرادت مخالفة بني عامر، فقال بنو عامر: لا نخالفكم حتى تتركوا ما بينكم، وبين بني أسد من الحلف، فنسبهم النابغة إلى الجهل فيما قالوا، وأعلمهم أن ذلك لا يكون؛ فإن ذلك سيضرهم عند بني أسد، ويحقدهم عليهم.
ونصب ضرارًا على الحال: واللام في قوله: يا بؤس للجهل ... مقحمة، وقد قلنا فيما مضى من شعر جرير لا أبالكم: إن الاختيار أن تكون اللام هي الجارة، دون الإضافة، وإن كانت زائدة، وقلنا في هذا هناك ما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، فارجع إليه تره إن شاء الله تعالى! وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
يا بؤسَ لِلْحَرْبِ الَّتِي وَضَعتْ ... أراهِطَ فاسْتَراحُوا
هذا البيت: لسعد بن مالك القيسي، يقوله في حرب البسوس حين هاجت الحرب بين بكر وتغلب، لقتل كليب، فاعتزل الحارث ابن عباد الحرب، وقال: هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل، فلم يزل معتزلا لهم، إلى أن قتل مهلهل ابنه بجيرًا، فأخبر بذلك، فقال: إن ابني لأعظم قتيل بركةً: إذا أصلح الله به بين ابني وائل، وكف سفاههما، وحقن دماءهما!.
والسفاه: الطيش والخفة - فقيل له إنه حين قتله قال: بؤبشيسع نعل كليب!.
فلم يصدق ذلك، وأرسل إلى مهلهل يقول له: إن كنت قتلت ابني بأخيك ورضيته ثأرا، فقد رضيت ذلك؛ لتطفأ هذه الثائرة!.
فقال مهلهل: إنما قتلته! بشسع نعله!.
فعند ذلك غضب الحارث، وقال الحارث لأمه: ردي أحمالك لألحقك بقومك، فمن أنا من ما أنت؟، فذهبت مثلا!.
وقال: -
قَرِّيَا مرْبط النَّعامة مِنِّي ... لَقِحَتْ حرب وائِل عن حيالٍ
لمْ أكن من جناتها علم الله وإنّي لحرِّها الْيَوْم صَالٍ
لا يُجَيْر أغنَى قتيلا ولا رهط كُلَيب تزاجروا عن ضلالٍ
قَرِّبَا مرْبط النَّعامة مِنِّي ... إنَّ قَتْل الغلامِ بالشِّسْعِ غْالٍ
ورجع إلى بكر بن وائل، وشهد الحرب، وكان يوم تسمية العرب: يوم التحالق، وكان سعد بن مالك قد قال - عند اعتزال الحارث الحرب يعرض به، وبمن شايعه على مذهبه: -
يا بؤسَ للِحرْبِ الّتي ... وضعتْ أراهِطَ فَاسْتَراحوا
1 / 43