وكان من حديث ذلك: أنه كان في رفقة، ومعه رجل من النمر بن قاسط، يقال له: يعفر بن قاسط، يقال له: يعفر بن قاسط، فقل عليهم الماء، فدفعوا ما كان معهم من الماء إلى رجل يقسمه بينهم بالسوية، فكان يضع حجرًا مستديرًا في إناء، ثم يصب عليه من الماء ما يغمره، ويدفع إلى كل رجل حظه من الماء، ويسمى ذلك الحجر: المقلة، وذلك لفعل التصافن، فكان الساقي إذا أراد أن يسقي كعبًا حظه من الماء، نظر النمري إلى كعب نظر راغبٍ مستعطف!، فكان كعب يقول. اسق أخاك النمري!.
فلم يزل يفعل ذلك حتى، جهد كعب، وضعفت قوته، وهم قد نزلوا بالقرب من موضع الماء، فسر كعب بذلك، وقيل له: رد، فقد وصلت إلى الماء! فلم يكن به نهضة، وخر ميتًا!.
فقال أبوه في ذلك يرثيه، ويذكره:
أوْفَى على الماءِ كَعْب ثم قيل له: رِدْ كعبُ إنّكَ وّراد فما وَرَدَا
وقد ذكر ذلك الفرزدق، وكان يسافر في ركب، فقل عندهم الماء، فتصافنوه، وسأله رجل من بني العنبر بن عمرو بن غنم: أن يؤثره بحظه من الماء، ففعل ذلك الفرزدق!.
ثم سأله أن يؤثره ثانية، فأبى، وقال في ذلك:
ولما تَصَافَنَّا الإداوَةَ أجْهَشَتْ ... إليّ غُضُونُ الْعَنْبريِّ الجْرَاضمِ
فجاء بِجُلْمود له مثل رأسِه ... لِيُسقى عَلَيْه الماءَ بَيْن الصَّرَائم
فآثرتُهُ لَمَّا رَأيْتُ الَّذي بِه ... على القْوم أخْشى لاحِقَاتَ اللوائِم
عَلَى حَالةٍ لو أنَّ في القومٍ حَاتِمًاعلى جوده ما جاد بالماء حاتم!
وكنّا كأصحابِ ابنِ مامَةَ إذ سَقَى ... أخا النَّمِر العطْشَانَ يومْ الضَّجَاعِم
إذا قال كعب: هل رويت ابن قاسط؟ ... يقول له: زدْني بِلاَل الحْلاَقِم!
فكنتُ ككْعب غْيرَ أنَّ مَنِيَّتِي ... تأَخَّر عنِّي نَزعُها بالأخارِمِ!
وكنت أرَجِّي الشّكر منه إذا أتَى ... ذوي الشَّأْمِ من أهْل الحْفَيرِ وجَاسِمِ
تمنَّى هجائي العَنْبَريُّ وَخِلتُنِي ... شديد شكَيمتي عُرضَةً للمراجِم
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
سَلاَمُ الله يا مَطَرٌ عَلَيْها ... وَليْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلامُ
هذا البيت: للأحوص، واسمه محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري.
والأحوص: الذي في عينيه ضيق.
والمحمد الذي يحمد كثيرًا، وينسب إلى الحمد، وقال زهير:
أليسَ بفيَّاض يداه غَمَامةٌ ... ثِمالُ اليَتَامَى في السِّنِين محمد؟!
وعاصم: إسم فاعل من العصمة، ونون مطر: ضرورة.
وبعده:
فإن يكن النَّكاح أحَلَ شَيءٍ ... فإنَّ نِكَاحَهَا مطرًا حرامُ
فطِّلْقَها فَلَسْت لها بكُفْءِ ... وإلاّ يَعْلُ مفرقَك الحُسَامُ
فلا غفر الإلَهُ لمنكحيها ... ذُنُوَبُهمُ وإنْ صَلُّوا وصاموا
وكان مطر دميمًا، وهند أسفله، وكان أقبح الناس، وزوجه أحسن الناس!.
وأراد: وإن لا تطلقها يعل مفرقك الحسام، فحذف الشرط؛ لدلاله ما قبله عليه كما قال زهير:
وإلاَّ فإنَّا بالشَّربَةَّ واللِّوَى ... تُعَقِّرُ أُمَّاتِ الرِّباعِ ونَيْسر
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
ضَرَبَتْ صَدْرَهَا إليَّ وقَالَتْ ... يَاعَدِيَّا لَقَدْ وقَتْكَ الأوَاقِي
هذا البيت: لمهلهل بن ربيعة التغلبي، واسمه عدي، وزعم ابن الكلبي أن اسمه: امرؤ القيس.
وسمي: مهلهلًا، لأنه أول من أرق الشعر، وزعم ابن الكلبي أنه إنما سمي مهلهلًا بقوله في شعرٍ له:
لما توَّعر في الغُبَار هجيهُم ... هَلْهَلتُ أثْأر جابرًا أو صِنبلًا
وذكر ابن الكلبي أن قوله: ضربت صدرها إلي ليس لمهلهل، وإنما هو لعديٍ أخيه، وأنشد غيره:
طَفْلَة ما ابنة المحلّل شَمَّا ... ءَ لَعُوبٌ لذيذة في العِنَاق
ظبية مِنْ ظباء وَجْرَة تعطو ... ويداها في ناضر الأورَاقَ
ضَرَبتْ صَدْرها إليّ وقالتْ ... يا عديًّا لقدْ وَقَتْك الأَواقِي
ارحلي ما إليك غير بعيد ... لا يواتي العناقَ مَنْ في الوَثَاقِ
1 / 34