الأمن والنجاة، لأنها حصن حصين، وملجأ رصين، فغب وصول المعسكر قامت الحرب على ساق، وكان الفناء على العساكر الإبراهيمية قد ركب جواده وساق، وأول من قتل من رؤساء العساكر العظام، محمد باشا القائد العام، وتبعه يعقوب بك فقتلا اقبح قتلة، وامتد القتل إلى البقية من غير مهلة، فكانت الدروز على هذا الباغي سيف الانتقام والهوان، وبعد مدة تحرك للعصيان جبل الدروز الغربي تحت رئاسة الشيخ شبلي العريان، ولم تزل بعد ذلك يد الصغار تستطيل عليه، وتوجه جيوش التأخير إليه، وفي سنة خمس وخمسين توفي السلطان محمود، وتولى إمارة المؤمنين السلطان عبد المجيد خان، لا زالت دولتهم محفوظة إلى آخر الدوران، وفي تاريخه أمر إبراهيم باشا بأمر والده بقتل علي آغا بن محمد آغا خزنة كاتبي، وبعد مدة أمر السلطان عبد المجيد خان بخروج إبراهيم باشا بعساكره من الأرض الشامية، إلى الأقطار المصرية، فأجاب الأمر بالسمع والطاعة وجمع عساكره وذخائره ومتاعه، وفرق ذلك بالشام، على المساجد والجوامع وبيوت الأرامل والأيتام، ثم بعد شهرين من مجيء الأمر بخروجه خرج من باب الله بعساكره ونزل بسهل القدم، بعد أن جعل الشام وأهلها من كل نعمة في عدم، وذلك في اليوم السادس من ذي القعدة الحرام، سنة ست وخمسين ومايتين وألف من هجرة سيد الأنام، وكان يوم خروجه يومًا شديد الثلج والبرد، والهواء والشرد، وكان يحث عساكره على العجلة والسرعة، ومن تأخر ولو لتعب كان قبره موضعه، وأخذ معه جميع الحبوب والمواشي، من غير خوف ولا تحاشي، ولما وصل مصر امتدحه مهنئًا له الشاعر الأديب، والماهر الأريب، محمد شهاب الدين صاحب الديوان بقوله، وإن كان مدحه في غير محله:
سمهري ينثني أم غصن بان ... أم قوام دونه صبري بان
صال بالعسال معسول اللما ... وتهادى هادمًا ما أنا بان
1 / 27