214

حکمت غرب

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

ژانرونه

ومايرسون

Meyerson . ولم يكن بيرس متمكنا من الرياضة والكشوف العلمية الجديدة في عصره فحسب، بل من تاريخ العلوم وتاريخ الفلسفة أيضا. ومن هذا المنظور الواسع بدا له أن العلم يفترض مقدما أساسا ميتافيزيقيا من نوع واقعي. لذلك صاغ ميتافيزيقا خاصة به، تميل بصورة واضحة إلى الواقعية المدرسية عند دنز سكوتس

Duns Scotus . بل إنه يرى أن صيغته الخاصة من البرجماتية، والمذهب الواقعي عند المدرسيين، يسيران جنبا إلى جنب. وسواء أكان الأمر كذلك أم لم يكن، فإنه يدل على أن مذهبه الخاص لم يكن يشترك مع برجماتية جيمس في الكثير.

لقد كان لبيرس في زمنه تأثير ضئيل جدا، ولكن الأمر الذي جعل من البرجماتية فلسفة لها تأثيرها هو التفسير الذي أضفاه عليها وليم جيمس (1842-1910م). ولم يكن بيرس نفسه راضيا تماما عن هذا التفسير، كما ذكرنا من قبل؛ إذ إن مذهب بيرس كان أعمق بكثير من برجماتية جيمس، ولم يبدأ فهمه وتقديره إلا في أيامنا هذه.

كان جيمس ينتمي إلى منطقة «نيو إنجلند»

3

وكان بروتستانتيا متمسكا بعقيدته. وقد ظل لهذه الخلفية أثرها في تفكيره، رغم كونه مفكرا حرا ينظر بعين الشك إلى كافة ضروب اللاهوت المتزمت. ولقد كان له، على عكس بيرس، تاريخ أكاديمي متميز في جامعة هارفارد، حيث كان أستاذا لعلم النفس. ومع أن كتابه «مبادئ علم النفس» قد ظهر في عام 1890م، فإنه ما زال حتى يومنا هذا من أفضل الكتب العامة في الموضوع، والواقع أن الفلسفة كانت بالنسبة إليه نشاطا جانبيا، ولكنه أصبح يعد، عن حق، أهم الشخصيات الأمريكية في هذا الميدان. أما عن صفاته الشخصية فقد كان عطوفا كريما، ونصيرا قويا للديمقراطية، على خلاف شقيقه الأديب هنري جيمس. وعلى الرغم من أن تفكيره كان أقل عمقا بالقياس إلى فلسفة بيرس، فإن شخصيته ومركزه جعلاه يمارس تأثيرا أوسع بكثير على الفكر الفلسفي، ولا سيما في أمريكا.

إن الأهمية الفلسفية لجيمس ترجع إلى عاملين، أحدهما أشرنا إليه منذ قليل، وهو دوره الفعال في نشر البرجماتية. أما الآخر فيرتبط بنظرية يسميها

radical empiricism «التجريبية الجذرية». وقد صاغ هذه النظرية للمرة الأولى عام 1904م في مقال بعنوان «هل للوعي وجود؟» في هذا المقال يأخذ جيمس على عاتقه إثبات أن الثنائية التقليدية للذات والموضوع عقبة في وجه الفهم السليم لنظرية المعرفة. ففي رأي جيمس أن من الواجب التخلي عن فكرة الوعي الذاتي بوصفه كيانا يوجد في مقابل موضوعات العالم المادي. وهكذا يبدو له تفسير المعرفة على أساس تقابل الذات والموضوع كما لو كان تشويها عقلانيا معقدا، ليس على أية حال تجريبيا بالمعنى الصحيح. ذلك لأننا لا نملك في الواقع شيئا يتجاوز نطاق ما يسميه جيمس «بالتجربة الخالصة» التي ينظر إليها على أنها الامتلاء العيني للحياة في مقابل التفكير التجريدي اللاحق فيها. وهكذا تصبح عملية المعرفة علاقة بين أجزاء مختلفة من التجربة الخالصة. ولا يتابع جيمس عملية وضع التفاصيل الكاملة لنظريته، غير أن أولئك الذين اقتفوا أثره أصبحوا يستعيضون عن النظريات الثنائية القديمة «بواحدة محايدة

Neutral monism » تقرر أن هناك مادة أساسية واحدة فقط للعالم، وإذن فالتجربة الخالصة عند جيمس هي المادة التي تصنع منها الأشياء جميعا. وهنا نجد أن تجريبية جيمس الجذرية تشوه نزعته البرجماتية، التي لا تعترف بأي شيء ليس له تأثير عملي على الحياة البشرية، فالشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام في نظره هو ما يكون جزءا من التجربة، التي كان يعني بها التجربة البشرية. ولقد أطلق معاصر جيمس الإنجليزي ف. ك. س. شيلر

ناپیژندل شوی مخ