206

حکمت غرب

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

ژانرونه

Visible » بما هو مرغوب فيه

desirable (بالمعنى الثاني) هو تشبيه غير صحيح. وهذا ما سبق أن أشار إليه هيوم حين قال إننا لا نستطيع أن نستنبط ما ينبغي أن يكون مما هو كائن.

على أن من السهل، على أية حال، أن يقدم المرء أمثلة مضادة مباشرة تثبت خطأ هذا المبدأ. فباستثناء المعنى التافه الذي تعرف فيه اللذة بأنها ما يرغب فيه بالفعل، لا يكون من الصحيح بوجه عام القول إن ما أرغبه هو اللذة، وإن كان إشباع رغبة لا بد أن يؤدي بي إلى اللذة. وفضلا عن ذلك فهنالك حالات قد أرغب فيها في شيء لا تربطه بحياتي أية علاقة مباشرة سوى وجود هذه الرغبة لدي. فقد يرغب المرء مثلا في أن يربح حصان معين سباقا دون أن يراهن عليه بالفعل. وهكذا فإن مبدأ المنفعة يتعرض لعدد من الاعتراضات الجدية. ومع ذلك فمن الممكن أن تكون أخلاق المنفعة مصدرا لنشاط اجتماعي فعال. إذ إن ما تنادى به تلك النظرية الأخلاقية هو أن الخير يتمثل في تحقق أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، وهذا أمر لا يمكن التصديق به بغض النظر تماما عما إذا كان الناس يسلكون دائما على نحو يزيد من هذه السعادة الكلية أم لا. عندئذ تكون وظيفة القانون هي ضمان تحقيق السعادة القصوى. وبالمثل فإن هدف الإصلاح على هذا الأساس لن يكون الوصول إلى تنظيمات مثلى، بقدر ما يكون الوصول إلى تنظيمات قابلة للتطبيق تؤدي بالفعل إلى إسباغ قدر من السعادة على المواطن. وتلك هي النظرية الديمقراطية.

لقد كان مل، على عكس بنتام، مدافعا متحمسا عن الحرية. وأفضل عرض لآرائه في هذه المسألة هو ذلك الذي نجده في دراسته المشهورة «عن الحرية» (1859م) وكان مل قد كتب هذه الدراسة بالاشتراك مع هاريت تيلور

Harriet Taylor

التي كان قد تزوجها عام 1851م، بعد وفاة زوجها الأول. في هذه الدراسة يقدم مل دفاعا قويا عن حرية الفكر والمناقشة، ويقترح وضع حدود لسلطة الدولة في التدخل في حياة رعاياها. وهو هنا يعارض بوجه خاص ادعاء المسيحية بأنها هي منبع الخير كله.

كان من المشكلات التي بدأت تظهر بوضوح عند نهاية القرن الثامن عشر، الزيادة السريعة في السكان، التي طرأت عندما بدأ التطعيم يقلل نسبة الوفيات. وقد اضطلع بدراسة هذه المشكلة مالثوس

Malthus (1766-1834م) الذي كان عالما في الاقتصاد، وصديقا لجماعة الراديكاليين، وكان في الوقت ذاته رجل كنيسة إنجليكانيا. فعرض في كتابه المشهور «دراسة في السكان» (1797م) النظرية القائلة إن نسبة زيادة السكان تتجاوز بسرعة زيادة الموارد الغذائية. فعلى حين أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية، فإن موارد الغذاء لا تتزايد إلا بنسبة حسابية. ولا بد أن تأتي نقطة يتعين معها تحديد الأعداد، وإلا تفشت مجاعات هائلة. وقد اتخذ مالثوس موقفا مسيحيا تقليديا في مسألة الطريقة التي يتم بها هذا التحديد. فلا بد من تعليم الناس بحيث يعرفون كيف يمارسون «التعفف»، وبذلك تظل أعداد السكان منخفضة. ولقد أحرز مالثوس نفسه، عندما تزوج، نجاحا باهرا في تطبيق هذه النظرية على حالته الخاصة: فخلال أربع سنوات كانت لديه أسرة مكونة من ثلاثة أطفال.

وعلى الرغم من انتصار هذه النظرية فيبدو الآن أنها لا تتسم بالقدر المطلوب من الفعالية، بل يبدو أن رأي كوندورسيه

Condorcet

ناپیژندل شوی مخ