202

حکمت غرب

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

ژانرونه

ولقد أدى التطور الأول للإنتاج الصناعي إلى تجديد الاهتمام بمسائل علم الاقتصاد، وهكذا فإن الاقتصاد السياسي في العصور الحديثة، من حيث هو دراسة قائمة بذاتها، يدين بظهوره إلى أعمال آدم سميث (1723-1790م) الذي كان أستاذا للفلسفة ينتمي إلى نفس موطن ديفيد هيوم. ولقد سارت مؤلفاته في الأخلاق في نفس الاتجاه الذي أقامه هيوم، ولكنها كانت على وجه الإجمال أقل أهمية من أعماله في الاقتصاد، وهو يدين بشهرته لدراسته التي تحمل عنوان «ثروة الأمم» (1776م). ففي هذا الكتاب بذلت لأول مرة محاولة لدراسة مختلف القوى التي تؤثر في الحياة الاقتصادية لبلد ما، وقد اهتم بوجه خاص بمشكلة تقسيم العمل، فأوضح بشيء من الإسهاب كيف يزداد إنتاج السلع الصناعية إذا ما تم تجزيء صناعة سلعة معينة إلى عدد من المراحل، يقوم بكل منها عامل متخصص. ولقد اختار مثالا خاصا هو صناعة الدبابيس، وكانت النتائج التي توصل إليها مبنية بغير شك على ملاحظات فعلية لأرقام الإنتاج.

وعلى أية حال فإن مبدأ تقسيم العمل قد طبق في الصناعة على نطاق واسع بعد ذلك بوقت قصير، وأثبت فعاليته الكاملة، وبالطبع فإن هناك مشكلات إنسانية ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار بدورها، لأن العمل المتخصص إذا ما تجزأ إلى حد إفقاد العامل اهتمامه بعمله، يؤدي إلى معاناة العامل في النهاية، ولكن هذه الصعوبة لم تكن واضحة تماما للأذهان في عصر سميث، بينما أصبح تأثيرها اللاإنساني على العاملين في هذا النوع من الآلات واحدة من المشكلات الكبرى في الصناعة الحديثة.

والواقع أن الاقتصاد السياسي ظل لفترة طويلة مبحثا يتميز به الإنجليز. صحيح أن مدرسة حكم الطبيعة، (الفيزيوقراط) الفرنسية في القرن الثامن عشر قد اهتمت بالمشكلات الاقتصادية، غير أن كتاباتهم لم يكن لها نفس الأثر الذي كان لكتاب آدم سميث؛ إذ إن هذا الأخير قد أصبح إنجيل الاقتصاد الكلاسيكي، وكان الإسهام الهام التالي في هذا الميدان هو نظرية ريكاردو

Ricardo

في القيمة المبنية على العمل، وهي النظرية التي تبناها ماركس.

أما في الميدان الفلسفي فإن ظهور التصنيع جلب نوعا من الاهتمام بفكرة المنفعة، وهو اهتمام كان يعارضه الرومانتيكيون بشدة، ولكن هذه الفلسفة التي كانت تفتقر إلى الجاذبية والتشويق، كانت لها آخر الأمر في ميدان الإصلاح الاجتماعي الذي كانت الحاجة ماسة إليه نتائج تفوق بكثير كل ما أدى إليه ذلك السخط الرومانتيكي الذي أثارته بين الشعراء والمثاليين. لقد كانت التغيرات التي تدعو إليها فلسفة المنفعة تدريجية منظمة، وكانت الثورة أبعد الأمور عن أهدافها، ولكن الأمر كان مختلفا في نظرية ماركس، التي كانت أكثر منها عاطفية، والتي ظلت تصطبغ بكثير من العناصر المتزمتة في المثالية الهيجلية التي كانت مصدرا لها، فقد أصبح الهدف في هذه الحالة الأخيرة هو التغيير الكامل للنظام القائم بالعنف.

وينبغي أن نلاحظ أن المشكلات الإنسانية الكبرى للمجتمع التكنولوجي لم تتكشف على الفور لأولئك الذين لم يعانوا تلك الآلام التي جرها ذلك المجتمع على الطبقة العاملة الصناعية، قد تكون هذه الحقائق الأليمة شيئا يدعو إلى الأسف، ولكنها كانت تعد في مبدأ الأمر شيئا لا مفر منه، على أن عدم الاكتراث الجامد والمتحجر هذا قد تزعزع خلال النصف الثاني من القرن الماضي، عندما تنبه الكتاب إلى المشكلات التي أدى إليها التصنيع. وقد أسهمت ثورة 1848م في تنمية المجتمع إلى هذه الحقائق. صحيح أن الاضطرابات قد أخفقت من حيث هي مناورة سياسية، ولكنها تركت وراءها قدرا من عدم الرضا عن الأوضاع الاجتماعية. وقد وجدت هذه المشكلات في أعمال ديكنز

Dickens

في إنجلترا، ومن بعده زولا

Zola

ناپیژندل شوی مخ