============================================================
وتصبح الحكمة السائدة فيها هى تلك التى سادت فى المثل الذى يقوله الفلاحون الفريزيون : طأنى بقدميك، ولكن دعنى أعش !".
وإلى هذه الظاهرة تستطيع أن تنسب طائقة كبيرة مما سراه فى هذا الكتاب خصوصا ما كتبه ابن المقفع فى "يتيمة السلطان والفارابى فى هذه السياسة المدنية "التى يدعونا اليها . ولا شك فى أن كلأ من ابن المقفع والفارابى لم يكن من فساد المثل فى الحياة وسوء التحيزة بحيث يقدم ما قدم هنا على أنه المثل الأعلى فى السلوك للنفوس الحرة ، وإنما حكم العصر الذى نشىء ونشأ كلاهما فيه قد اضطره إلى تلمس أسباب التجاح فى الحياة على نحو عملى واقعى ، بغضء النظر عما تقتضيه المثل العليا النظرية ، خصوصا إذا عرفنا أن كليهما قد عاش فى كنف الأمراء، ولم يستطع أن يحيا حياة حرة مستقلة ، وهذا هو الشرط الأول فى قيام النفس الأبية التى لا تطأطئ رأسها لأى سلطان . فشتان بين روح الفارابى واين المقفع .، وبين روح رجل مثل أبى العلاء المعرى الذى عاش حرا من كل قيد، فأملى عليه استقلاله أفكارآ حرة من كل القيود !
على أنك ستجد أيضا فى مقايل هذه الأخلاق الراكعة " أمام السلطان أخلاقا "شماء" استطاعت أن تقول : كلا ! وألا تحفل بأى جاه مهما عز وعلا .
فستجد فى كلام "ديو جانس" الكلبى وفى كلمات كثير من الصوفية المسلمين مثل أبى حازم وأبى سليمان الدارانى (راجع بعد فى ص 174 - 175) أقوالا رائعة تكشف عن شم فى الأخلاق يرد " أخلاق العبيد الأخرى . فااصورتان متناقضتان، ولكن كلتيهما ضرورية الوجود فى مثل هذه البييات، اذ لايتصور أن يكون ثم " انهيار" فحسب ، فلا يكون إلا ركيع وسجود . ومثل هذه الضمائر النادرة هى وحدها المشاعل الحية الى تحمل شعلة الأمل فى الإنسان، مهما اكنفه من ظلم وران عليه من طغيان ؛ واستشهادها يضفى عليها هالة من القداسة الى لا تطاولها قداسة أخرى، لأنهم باستشهادهم يصبحون شهودا خالدين على الحقيقة الخالدة ، حقيقة الحرية بمعتاها الأرفع والأخصب والأعمق . وهوالاء هم فى الواقع الشفعاء الوحيدون للروح الشرقية أمام الحق الخالد .
3 - أن الطوة الكبرى بين الروح والبدن فى ذهن الروح الشرقية تسيطر على توجيهها فى الأمور التى تعالحها ، ولهذا لم تستطع أن تصل إلى هذه المرتبة (13)
مخ ۱۷