============================================================
الى لحقتها بزوال دولة كسرى يزدجرد، آخر الملوك الساسانيين . وهنا وجدت الشعوبية مجالا للتغاخر واسع الرحاب ، (أولا) لأن النرس منذ القدم معروفون بهذا النوع من الآداب ، فكان من اليسير اختراع الكثير منه ونسبته إلى كبار رجالهم، دون أن يبدو فى تلك النسبة استحالة صارخة، فيما لو نسبوا إليهم مثلا فلسفات من نوع فلسفات يرنان، أو رياضيات وعلوما مما اشهرت به يونان والهند. (وثانيا) لأنه لم يكن أمام الشعوبية ميدان آخر غيره فى الحياة الروحية : فتمجيد الأديان الفارسية كان محرمأ عليهم بحكم غلية الإسلام غلبة مطلقة أو شبه مطلقة ، فلا مجال لدين آخر (يرانى قديم ليعيش إلى جواره، فى صورة ظاهرة متحدية على الأقل ؛ ولم يؤثر من شعر إيران القديم ما كان يمكن أن ينافس الشعر العربى آنذاك - وإذن فلا مجال لاشعويية فى ميدان الشعر، وكان لها أن تنتظر قيام هذه السلسلة الرائعة من شعراء الفرس من الرود كى ونظامى والسعدى والفردوسى وحافظ الشيرازى وجلال الدين الروى والعطار لكى تستطيع أن تقف مع الشعر العربى موقف المنافسة ، بل والغلبة والتفوق الظاهر . ولكن حينما قامت هذه السلسلة الممتازة واستحكمت حلقاتها كان السر فى قيام حركة الشعوبية قد رال وانتفت العلة عنه 2 - وثانى الملامح البارزة للروح الشرقية من خلال هذهآ المجموعة التى بين أيدينا هى ما صاحب هذا الطغيان السائد فى الحكم فى النول الشرقية من صنائع يحتقلون له نفاقا ومداراة وطمعا فى الحاه بأرخص الأثمان . فالاستبداد يصرع كثيرأ من التفوس، حتى ذوات الجوهر الخير منها، فتضطرها ظروف الحياة إلى ألوان من الأخلاق الذليلة تتخذها لنفسها ابتغاء الظفر بالسلطان ، وإن داس على كرامتهم وإنسانيتهم . ذلك أنه فى هذه البييات تنشأ فكرة " النجاح فى الحياة" بأية وسيلة ؛ ولما كانت القذارة لا تولد إلا القذارة، فمن الطبيعى ألا يستطيع " النجاح" فى مثل هذه البيئات إلا النفوس الدنسة التى لطخت أيديها بقذارة السعى الوضيع فى حمأة المنافع الطاغية . ذلك أن " المثل الأعلى للسلوك فى الحياة يتبدل وفقأ للظروف السائدة فى البيئة ، وفى مثل هذه البيئات المستبدة لا "تتجح " إلا القامة المرنة التى تحسن الانحناء وتتقن فن طأطأة الرأس ، (12)
مخ ۱۶