============================================================
واذن فليست الحكم صيغأ نهائية، وليست نواميس ثابتة للسلوك ، بل هى بالأحرى بواعث إلمام واستلهام ، ودواعى توجيه والتزام، ولن تأتى أكلها إلا إذا أضحت صورا حية متطورة متجددة فى نفس متمثلها .
والكتاب الذى بين أيدينا الآن ، كتاب " جاويدان خرده ، الذى اختار ما فيه أبو على أحمد بن محمد بن يعقوب الملقب به مسكويه، قد استودع طائقة ممتازة من الحكم الشرقية الخحالصة : الإيرانية ، والهتدية، والرومية الشرقية المنحولة ، والعربية والإسلامية . وفيه من أجل هذا - خير مرآة لاروح الشرقية عامة، وروح الحضارة العربية السحرية - بالمعنى الذى لهذا اللفظ عند اشبنجلر بخاصة ، ممثلة فى ذلك النوع الأدبى الذى يعد خير معير عن حقيقة تلك الروح.
ونستطيع أن تلخص الملامح البارزة لهذه الروح كما نستنبطها من هذه المجموعة من الحكم على النحو التالى : 1- أن لا" كلمة صحرا خاصا فى الروح الشرقية، تستهوبها وتجد فيها العزاء عن الواقع الأليم الذى تحيا فيه تاريخيا . فالاستبداد الذى كان نوع الحكم السائد فى البلاد الشرقية لم يجد متنفسا له لدى المستضعفين فى الأرض ووالمغلوبين على أمورهم " إلا عن طريق هذه " الكسلم القصار" يرسلونها كا لسهام المسمومة فى صدور الحكام، دفعا فى وجه الطغيان. ومن هنا كثرت النصائح المتصلة بالحكام والولاة والملوك : تارة تكون على هيئة مواعظ توجه إليهم ليطامنوا من طغيانهم ويرعوا جانب الرعية البائسة، وأخرى على صورة حكم صادرة من هولاء الملوك والحكام أنفسهم يكفرون فيها - بالقول !- عما تجترحه أيديهم من مآثم فى حق الرعية . وهذه الحكم لم تصدر عنهم فى أغلب الأحوال، إن لم يكن فيها كلها : بل صلرت عن هولاء البائسين المضطهدين أنفسهم ، شفاء لحروحهم النفسية البالغة . فستجد فى هذا الكتاب كثيرأ من الحكم المتسوبة إلى الملوك ، وإلى بعض ملوك الفرس بخاصة مثل كسرى أنو شروان وكسرى قباذ ووزرائهم ، وليس لطا أى سند من الحقيقة التاريخية ، بل هى من ذلك النوع من الأدب العام الشائع فى هذه الأوساط ومما ألف بعد زمان أصحابها المزعومين بأجيال طوال . والدواعى لانشائها عديدة، منها: (10)
مخ ۱۴