============================================================
وهذا النوع من الأدب ، أدب الأمثال والحكم والمواعظ، فيه من النفع بقدر ما فيه من الضرر. فهو إن أفاد فى الحث على الفضيلة وفى استلهام الموعظة واتخاذ معايير للسلوك، فانه يضر من حيث هو قيد يشد التفس إلى صيغ مصنوعة وأفكار سابقة 0(4، ومعان متعارفة، وهذه من شأنها أن تحجر السلوك فى مجارى السنة التقليدية، مما يدعو إلى الانصراف عن التجديد والتوئب ويعقل سورة المتوفز إلى الآفاق المحهولة والمرامى الجديدة . فالنفوس المبتكرة لا ترتاد إلا المجهول ، ولا تسير على مواطى: أقدام الأوائل، بل تفتح لنشاطها طرقا لم تطأها من قبل أقدام القدماء : وهذا هو سر التقدم الحى للإنسانية . أما أولئك الذين بلزمون القواعد الذهبية"، ويتمسكون بعمود " السنة التقليدية " "دنانله ويستلهون فى سلوكهم ما يسمى باسم * حكمة الأم " 5"دنع 5د 55556ه ه1 فلم يكونوا فى الواقع غير مواطنين هادعي مددنا متوسطين " طيبين ، ولم يكونوا أبدا روادا بارزين . وهذا نرى نموذج دون كيخوته ينفر من الأمثال ويكره المواعظ ويدوس بقدميه حكمة الآباء، ومن المعلوم أن الحضارة إنما ينشئ قيمها الكبرى أمثال دون كيخوته ، وليس أولئك المواطنين الطيبين " ؛ ولهذا لا نحسبنا نعدو الحق كثيرا ، إذا قررنا أن انتشار أدب الأمثال والحكم والمواعظ فى الشرق كان من أسباب ضعفه وانحلاله ، لأن الاكتفاء اللفظى كثيرا ما يقوم مقام الطاقة الفاعلية ، وفى هذا التعويض يقع المرء فريسة وهم مخيف : وهم إمكان الاستغناء بالألقاظ عن الأفعال ، وهي الوهم الذى يقتل كل حيوية ويكون أذانا باتحلال صاحبه . وفى حياة الشرق فى العصر الحديث أبلغ دليل على ما نقول . ومن الأعراض الملازمة لهذا المركب النفسى الفاسد: النفاق، والتوكل، والخداع العاجز، والمشاحنة السلبية فى الآحوال التى تقتضى النضال الصريح الشريف. ومن هنا كانت طائفة الوعاظ شر طائفة أخرجت للناس ، لأن إحالة الوعظ إلى مهنة، تستتبع وراهها ذلك الاختلال النفسى الذى أشرنا اليه . إنما المهم فى قراءة الحكم أو لدى سماعها أن يتمثلها القارئ أو السامع فى تفسه ، وأن يحياها فى أفعاله ، وأن ينفعل بها كل كيانه ، وأن يحيلها إلى تجربة شخصية وكأنها مواعظ استخرجها لنفسه بتفسه من نفسه، أو حكم قيلت فى شأنه وعير استنبطت من حاله وأفعاله ، كما كان الحلاج يقعل مع آيات القرآن .
(9)
مخ ۱۳