85

هوا جديده

حواء الجديدة

ژانرونه

وقد مثل أحد الظرفاء ممن باحثوني بهذا الموضوع ذلك التمايز بين الرجل والمرأة بقوله : إنه لشيء طبيعي أن ينكسر الزجاج، ويسلم إناء المعدن إذا التطم أحدهما بالآخر.

أجل، هذا هو قضاء الطبيعة: الطبيعة تسوغ لك أن تفعل كل ما فيه مصلحة، أو لذة لك من غير التفات إلى ما يؤول إليه فعلك من الأذى لسواك؟

ولكن الشريعة مدنية أو أدبية جعلت لمقاومة الطبيعة، ولوضع حد لحرية الإنسان، بحيث لا يجوز لك أن تفعل إلا الفعل الذي لا أذى فيه لغيرك حتى ولو رضي ذلك الغير بفعلك؛ لأن رضاه في هذه الحال لا يكون إلا عن اضطرار، فقد يرضى المستدين بدفع فائظ المال مضاعف الفائظ القانوني، ولكن الشريعة تعاقب الدائن؛ لأنه اغتنم فرصة اضطرار المستدين لكي يسلبه، ومن هذا القبيل تعاقب الشريعة البائع بأكثر من التسعيرة، وإن تم البيع برضا الشاري، وفي الشرائع المدنية في هذه البلاد وغيرها كثير من أمثلة ذلك، وتراضي الفريقين المؤذي والمؤذى لا يكفي لتبرير الأذى، والأذى الذي أصاب إيفون لعمر الحق أعظم جدا من الأذى الذي يصيب المستدين بمضاعف الفائظ والشاري بأغلى من التسعيرة، وإذا كان الناس يمقتون المرابي، والتاجر الجشع، فأحر بهم أن يمقتوا الزاني.

وإذا كان الغرض من الشريعة حماية الضعيف من جور القوي وغبنه، وجب أن يعاقب الزاني كالزانية بنفس العقوبة، أو بالأحرى يجب أن يعاقب بأشد، وإلا فإذا كان يعلم أن الهيئة الاجتماعية تغضي عنه، وتسامحه يبقى مستقويا على المرأة الضعيفة، ولا يرتدع عن إغوائها حتى يسقطها.

أجل إن الشريعة المدنية تقضي بالتعويض للفتاة إذا أغواها الفتى متذرعا لغوايتها بالوعد بالزواج ولم يف بالوعد، ولكن التعويض ليس عقابا، ولا يردع المغوي عن الإغواء ولا يرده عن انتهاك الأعراض، ومهما كان التعويض عظيما، فلا يساوي سقطة الفتاة وضياع منزلتها في الهيئة الاجتماعية، وإنما إذا كان ينتبذ من الهيئة الاجتماعية كما تنبذ شريكته في الإثم استوى العدل، ورجح ارتداع الآثم. (2)

ظن بعضهم أني أبتغي تبرئة الفتاة الزانية، وهو ظن خاطئ فما هو مستدل من فحوى الرواية، وفي مقدمتها نص صريح على أنها غير بريئة، وعلى أن شريكها في الإثم مذنب مثلها يجب أن يعاقب عقابها.

نعم إن لسان حال إيفون يفيد أحيانا أنها تعد عقابها ظلما، فلا يستهجن القارئ ذلك منها؛ لأن التسامح مع شريكها يحرجها إلى التظلم، وعادة المتهم أن يتبرأ من جرمه، فالقاتل وهو يصعد إلى المشنقة يقول: أنا مظلوم، ونحن في رواية إيفون التي نروي فيها الواقع كما هو ونروي الكلام على علاته، نعبر عن إحساسها الحقيقي وعن أفكارها، فلا يصح أن نقتصر على قول كلام القضاء عليها، ولا نعزو لها كلام الدفاع عن نفسها والتظلم من محاباة الهيئة الاجتماعية مع من خانها، على أنها كانت في بعض أحاديثها تعترف باستحقاقها ذلك العقاب، بيد أنها حسبت أن مقاساتها كافية لتطهيرها من إثمها؟ (3)

وقد سلم بعض الناقدين بأن الهيئة الاجتماعية محابية بهذا الشأن مع الرجل دون المرأة، ولكنه يرى أن هذا الخلل الاجتماعي كان شأن البشرية من أقدم الأزمنة، ولن تزال كذلك إلى ما شاء الله، فمن العبث الحث على مقاومة هذه المحاباة.

ربما كانت هذه المحاباة قديمة، ولكن الارتقاء الاجتماعي الأدبي يقضي بإصلاح كل خلل قديم.

والحقيقة أن هذا الخلل الاجتماعي غير عام، فهو قليل أو كثير في بعض الأزمنة وعند بعض الأمم، ومن شواهد ذلك أن العرب، وكثيرا من القبائل غير المتمدنة تنتقم من كل من يسطو على عرض.

ناپیژندل شوی مخ