63

هوا جديده

حواء الجديدة

ژانرونه

سكتت هنيهة وأنا أخبئ وجهي بكفي وأكفكف دموعي، ثم سألتني : هل تحبين موريس يا سيدتي لكي تتزوجيه؟

فأجبت على الفور مجهشة: كلا، ولو طلب بإلحاح؛ لأن الناس لا يعدونني صالحة له. - إذن ما دام يحبك فهو مقيد بك شارد عن الصواب، فقد يصرف عهد الشبيبة بل معظم العمر سدى، فإذا أغفلته خدمته الخدمة الكبرى النافعة، وبذلك تبرهنين له على حبك الحقيقي، لا أنكر أنك تغالبين حب نفسك وتضحين بأنانيتك إلى حين، ولكنك تولين اثنين معروفا عظيما، وحسبك فخرا أن تكوني أول من ضحى بأنانيته لأجل من يحب؛ لأنه ما من محب حتى الآن حبس نفسه عن حبيبه بغية خيره، فكوني أنت فريدة بين المحبين بهذه المروءة الغريبة، وأضيفي هذه المحمدة إلى محامدك الوفيرة، إني أجلك جدا يا سيدتي؛ ولذلك أتيت أتوسل إليك.

ماذا كان تأثير هذا الكلام علي يا موريس! إني أحببت خطيبتك كما أحببتك رفعت نظري إليها، فتصورتها حملا وديعا يضرع إلى ذابحه، فتقطع قلبي شفقة عليها.

لم أستطع أن أجيبها بكلمة، بل بقيت مسترسلة في نحيبي كالولد الصغير فدنت مني وطوقت عنقي بذراعها، وقبلتني في خدي قبلة حارة وقالت: إنك تفتتين فؤادي بهذا البكاء يا حبيبتي إيفون، فإن كان ملتمسي عزيزا عليك، فإني أغالب قلبي وأقهره لأدع نصيبي لك، لا مناص من التضحية، فعلى واحدة منا أن تضحي بأنانيتها.

تصورتها عند ذلك ملاكا أرسل من السماء؛ لكي يطهر قلبي ويغسل نفسي بقبلته، أو رسولا أتى إلي؛ لكي يحثني على أن أكفر عن ذنوبي الأخيرة بكفارة عظمى، وهي أن أحبس قلبي عنك؛ لكي تسلم لخطيبتك، حدثتني نفسي أن أنطرح أمامها أقبل قدميها، وأبلهما بدموعي ملتمسة الغفران منها؛ لأني لها أخطأت في حبك، أشفقت أن ألثم ثغرها الطاهر وأنا دنسة الشفتين، وإن كنت طاهرة القلب، نظرت فيها لما قبلتني وقلت: إن موريس أصبح مبدأ حياتي الروحية، فكيف أطيق أن أفارق حياتي؟ - إن حبك الصادق يا سيدتي يطالبك بالحرص على مستقبل موريس، فإن كنت ترين أن مستقبله معك مجيد فاستبقيه، وشرف مبدئك يقضي عليك أن تنصفي قلبي من قلبك، فإن كنت تعتقدين أن قلبك أحق به فاستحوذيه، أنت خصمي وأنت حكمي فاقضي كما تشائين، فإني راضية بقضائك.

اعتدلت في مجلسي وكفكفت دموعي بمنديلي، وقد أصبحت عيناي متورمتين، وكان سكوت عدة دقائق وأنا أشرق كل لحظة بدموعي وأتنهد، وأخيرا التفت إلى ماري وهي كالولد الصاغر، وكل ذرة منها ضارعة إلي وقلت: إن ثقتك بي يا عزيزتي غير ضالة وظنك غير مخطئ، فلطالما ضحيت برغائبي لأجل شرفي، فلتكن هذه أعظم الضحايا، أقسم لك يا ماري بشرفي وبنفسي الطاهرة ...

فقاطعتني قائلة: لا تقسمي، إنك صادقة؟ - ... إني أجفو موريس مغالبة هواي وشوقي إليه وقاهرة قلبي لكي يعود إليك، فأنت خير له مني وأبقى، أضحي بأنانيتي وحب الذات لكي يثبت للناس أن بين جنبي إيفون مونار قلبا شريفا، وإن عفافها لم يبذل إلا بحكم العادات الاجتماعية العسوفة.

ثم ملت إلى ماري وقبلتها في وجنتها، فتعلقت بعنقي كالطفل يعانق أمه، وجعلت دموعها الحارة تنهل على صدري فضممتها إلى قلبي وقلت: قري عينا يا حبيبتي إن موريس لك وحدك منذ الآن، وبعد قليل يبرأ من حبي. فرفعت نظرها إلي قائلة: بربك لا تدعي موريس يعلم بزيارتي هذه لك، إن علم تنعكس الآية. - لن يعلم قط؛ لأني لم أعلم أنه خاطب.

ثم فككنا عناقنا وجلسنا متحاذيتين، والأسى بيننا يعقد قلبينا بعروة حب لا تنحل، لم نتمالك أن نستأنف البكاء صامتين، ولكن ماري اقتضبت ذلك النحيب بأن نهضت إلي وقبلتني مرارا، ومضت من غير أن تنبس ببنت شفة.

أتصدق يا موريس أني قاسيت بمجافاتي لك أكثر منك؟

ناپیژندل شوی مخ