مر علي بعد ذلك ثلاث سنين أخرى، وأنا أغالط الناس في اعتقادهم بي وأجاهد في إثبات توبتي وطهارتي الحقيقية، فلم يمحوا عاري ولا شاءوا أن يردوني إلى مكانتي الأولى.
كنت أتحسر من أعماق قلبي وأتنغص كلما رأيت امرأة تمشي مع زوجها في متنزه أو نحوه، وبينهما ولد ومعارفهما يلتقون بهما ويرفعون لهما قبعاتهم، وإذا رأيت رجلا يعني بامرأته أغبطهما وأقول: «هل ترى أحصل على زوج يعني بي فأعبده، ويرفع مقامي فأسجد له؟» وإذا رأيت امرأة تتسيد في بيتها والأسرات تزورها وأولادها يحفون حولها وزوجها يمازحها يطفر الدمع من عيني، وأقول: «أنى لي مثل هذه السعادة؟»
مللت وحدتي، قنطت من استرداد شرفي، يئست من إقناع الناس بأني لا أقل عن أفضل نسائهن فضلا وطهارة، فقلت في نفسي: «إذا كان الناس يصرون على رفض توبتي، ولا يحسبون لي حسناتي ولا يغضون الطرف عن زلتي القديمة، فإلى متى أجاهد في مقاومة شهواتي، وأحرم نفسي لذاتها؟»
ما حدثتني نفسي هذا الحديث إلا بعد، إذ هاجم الغاوون من الشبان عفافي، فكانوا يرتدون خائبين، وأخيرا اتصل بي شاب لطيف مثر له بعض المبادئ الحسنة، فأبدى لي من الحب أعظمه، واقترح علي أن يغنيني عن إبرتي ويريحني من سهر الليالي أمام آلة الخياطة إذا ساكنته.
وكنت كلما كرر علي هذا الاقتراح عدلته له بقولي: إني أغنيه عن كل أمانيه، وأكون نسخة آماله الأصلية إذا كان يتزوجني، فصرح لي أن ذلك يستحيل عليه للسبب الذي أعلمه، فعذرته بعد الذي رأيته من تمسك الناس بتلك المبادئ العسوفة.
ولما قطعت الأمل من نيل وطري بتمامه كما وضعت نصب عيني، ومللت عيشة الوحدة ووهنت قواي الأدبية عن مقاومة الميل الطبيعي إلى إلف قلت: أنا الغريقة ما خوفي من البلل.
الناس يتنعمون وأنا أشقى وما هم بأبر مني، فلماذا لا أنعم؟
وكان ذلك الشاب يقطن في مصر، فانتقلت إليها، وسكنا في منزل حائد عن بيئتنا، وحينئذ اخترت لنفسي اسما ثالثا وهو اسمي الحالي: «إيفون مونار»؛ لأن اسمي الثاني أصبح مرادفا لاسمي الأول، فلم يعد يواري ماضي.
انتقلت من بين معارفي وعمدت إلى تغيير اسمي عند إبدال الحياة الدنسة بحياتي الطاهرة؛ لكي يبقى شخصي الحقيقي مصونا من الدنس؛ ولكي يسلم شرف أهلي من العار كذا تفعل البغيات إذا كن طيبات الأصل، فأحرجن إلى البغاء هل رأيت مومسا تقول لك اسمها الحقيقي؟ هل عرفت امرأة بغيا تقطن في بلد أهلها؟ لماذا؟ - لأنها وهي تنتهج نهجا فاسدا لا تزال تتشبث بالمبادئ الشريفة، وتحرص على عرض أهلها؛ ولذلك تكتم اسمها الحقيقي؛ لكي تخفي معه شخصيتها الشريفة وتتقلد اسما كاذبا؛ لكي تخلق لنفسها شخصية جديدة لمظاهرها.
إذا التقت بمن يعلم حقيقتها ويعرف أهلها تخجل منه، وتهرب من وجهه مهما كانت فاجرة سليطة، لماذا؟ لأن شخصيتها الحقيقية لا تزال تتمسك بأهداب الشرف فتخجل من العار، وأما الشيء العاري من ثوب الحياء فيها فهو شخصيتها المزورة.
ناپیژندل شوی مخ