387

وسأله عاشور باهتمام: ما عملك بالضبط يا أخي؟ - ليس من اليسير شرحه، هل سمعت شيئا عن السمسرة والمضاربة؟ حسن، لا دكان لي ولا محل، نعقد الصفقات في الطريق، في المقاهي. إنها أمور معقدة، سنعود إليها بتفصيل أكثر، ولكنني لن أشرككما فيها، لقد رسمت للمستقبل صورة محدودة ومتنوعة ومضمونة.

فتوردت الوجوه من البهجة وعذوبة الحلم، ولاذت بالصمت والابتهال، فمضى يقول: إرادة الله العلي القدير أن يعود آل الناجي إلى مركزهم المرموق!

فتساءل عاشور هامسا: تعني الفتونة يا أخي؟

فضحك قائلا: لا، لا، أعني الوجاهة والأبهة!

فقال ضياء بإشراق: ما أجمل هذا! - يجب أن تتغير هذه الحياة الضحلة، لن نكون بعد اليوم من الحرافيش، لا راعي غنم ولا شيال، هي إرادة الله العلي القدير.

فهتفت أمه: إنك ثمرة حبي ودعائي.

فقال بجدية بالغة: علينا أن نفكر فيما ينبغي عمله بلا تردد؛ فإن نشاطي يتطلب مني رحلات بلا نهاية!

12

وحلت تغيرات حاسمة مثل تغيرات الفصول الأربعة. ما بين يوم وليلة تحولت حليمة البركة إلى ست بيت فلا خدمة ولا بيع. استقال ضياء من محل النحاس، كما استقال عاشور من رعي الأغنام. انتقلت الأسرة إلى شقة مؤقتة مكونة من أربع حجرات، والأهم أنه شرع في تشييد دار للأسرة في خرابة أمام بنك الرهونات، واشترى فائز وكالة الفحم تاركا إدارتها لأخويه، فجلس ضياء وعاشور في حجرة الإدارة، رافلين في العباءة الفضفاضة، ناشرين من أعطافهما شذا المسك والعنبر.

تداخل الحلم في الحقيقة، وتداخلت الحقيقة في الحلم، وانبهرت الأعين وشخصت الأبصار. عند استبدال الثياب الفاخرة بالأسمال البالية شعر الأخوان بذهول ورهبة، ثم بسعادة مسكرة. خرجا إلى الطريق كأنهما يخوضان معركة. شد منظرهما الأبصار، أحدق بهما أناس من الحرافيش والصغار.

ناپیژندل شوی مخ