288

فقال باستياء: ظلموها جميعا! - كانت هي الظالمة، وإنك تهب نفسك للشقاء.

فتمتم بهدوء: إنما الأعمال بالنيات.

فقالت عزيزة بحنق: هذه الوضيعة الخسيسة.

فقال محتجا: أصلنا واحد يا أماه! - أصلكم الذي تفخرون به هو الخير لا الدم! ما حصل لعبد ربه ومحمد من أصلكم. ألم يكن رمانة قاتل أبيك من أصلكم؟! ألم يكن وحيد من أصلكم؟

قال بهدوء: ما قدر كان.

73

زفت زهيرة إلى عزيز قرة الناجي. قاطعت عزيزة هانم الفرح. لم تعترف به، وعاشت في الدار مع ألفت والأبناء في كدر أبدي. وابتاع عزيز دار نوح الغراب من ورثته فأهداها إلى زهيرة. جدد أثاثها ورياشها وتحفها جاعلا منها عش حبه الخالد. وقد احترم حقوق ألفت هانم كاملة، لم يضن عليها وعلى أولادها بالرعاية المثالية والحب الوقور، غير أنه لم يعرف الحب الحقيقي إلا في مغيب كهولته.

74

ونعمت زهيرة بشعور رهيف خيالي مثل الإلهام المشرق، هو الفوز في جلاله والحلم في أبهته وكماله. الدار والثروة والجاه وسيد الوجهاء. لم تبتئس بغضب عزيزة ولا حزن ألفت، وإن كان ثمة كبرياء فهي سيدة الكبرياء وأحق الناس بها بما وهبها الله من جمال وذكاء. آمنت بأنها فتوة في إهاب امرأة، وأن الحياة المقدسة لا تمتثل إلا للأقوياء. ولأول مرة تجد بين يديها زوجا تحترمه وتعجب به ولا تفرط فيه، أما الحب فطالما قهرته في سبيل ما هو أعظم وأجل، وطالما قالت لنفسها: «لست امرأة ضعيفة مثل غيري من النساء.»

واستمتعت بجاهها بكل سبيل؛ فعند الأصيل تتوسط الدوكار مجلسة جلال وراضي في المقعدين أمامها، ويمضي الدوكار على مهل مجلجلا برنين جرسه الفضي، وهي متسلطنة كملكة، تومض عيناها الساحرتان من وراء الياشمك. والناس يتطلعون إليها في إعجاب وحقد وذهول. تتذوق جمال اللحظة في أناة واستيعاب، منتشية بإلهام سام مجنح يجعل من الدنيا ماسة في أصبعها، تعكس صورتها المليحة الفاتنة.

ناپیژندل شوی مخ