ولكن المرأة استهانت باعتراضاته وكذبت عليه فقالت: حقيقة إنك لم تسبق لك بها معرفة وثيقة كما تقول، ولكنها تعلم أنك صديق والديها، وقد سمعت في بعض المجالس ثناء كثيرا على نبوغك في المحاماة؛ فهي لا شك تقدر رأيك حق قدره وتنزله من نفسها منزلة سامية.
فتورد وجه الشاب وذكر وجه الفتاة الجميل الذي سعد برؤيته ساعة في السيارة صباح العودة من أسوان، فلم يستطع أن يرفض، ولكنه قال متسائلا: فكيف لي بمقابلتها على انفراد لأحادثها في هذا الشأن الخطير؟ وإذا قابلتها فكيف أفاتحها به؟
فتنهدت المرأة ارتياحا وقالت: لقد دبرت كل شيء، سأصحبها يوم الأحد القادم لشراء بعض الحاجات، وعليك أن تقابلنا - مصادفة طبعا - في شارع سليمان باشا الساعة الخامسة مساء، وتقترح علينا التنزه قليلا على جسر قصر النيل فأتركها معك، وأعدك بأن ألحق بكما بعد دقائق، وتنتظراني ساعة على الأكثر؛ فإن لم أعد تأت بها إلى شيكوريل حيث تجدانني، وفي أثناء ذلك تستطيع أن تطرق الموضوع بلباقة المحامي وتفضي إليها برأيك في الزواج المبكر .. ما رأيك الآن؟
وقبل الشاب بسرور خفي، فتركته المرأة وذهبت إلى الفيلا على عجل، وأغلقت على نفسها حجرتها وأحضرت ورقة وقلما وكتبت ما يلي بيد مضطربة وبخط جهدت أن تخرج به عن مألوف خطها:
سيدي الأستاذ ..
أنت شارع في الزواج من كريمة محمد بك طلبة، ولكن ينبغي قبل ذلك أن تذهب بنفسك كل يوم إلى جسر قصر النيل الساعة الخامسة مساء وخصوصا أيام الآحاد.
ثم كتبت على الغلاف عنوان الخطيب ووضعت الخطاب فيه، وترددت لحظة رهيبة ثم نادت خادما وأمرته بوضع الخطاب في صندوق البريد.
وجاء يوم الأحد وخرجت الأم وابنتها وحدثت المقابلة مع الأستاذ، وتم لها ما أرادت من تركها معه، وذهبت بمفردها إلى شيكوريل وابتاعت حاجاتها، ولبثت تنتظر حتى حضر الأستاذ وحياة وقد اعتذرت إليهما قائلة: أوه .. لقد تأخرت عليكما لأن المحل مزدحم كما تريان. لا بأس، أظن أنه ينبغي أن نذهب الآن، نستودعك الله يا أستاذ.
وفي الطريق لازمت المرأة الصمت، وقد انتظرت طويلا أن تفاتحها الفتاة بالكلام، ولكنها ظلت واجمة كأنها تجهل اللغة التي تتكلمها أمها، واختلست المرأة منها نظرة فألفتها جامدة باردة لا تعير وجودها أدنى اهتمام، فانقبض صدرها وتذكرت - آسفة حزينة - كيف كانت في حضرتها لا تمل الحديث والضحك والمداعبة، وضاق صدرها بصمت الفتاة فقالت تحملها على الكلام: كيف كان التنزه .. وماذا قال لك الأستاذ؟
فأجابتها بإيجاز قائلة: تحدثنا أحاديث عامة تافهة لا تستحق الإعادة. - وما رأيك فيه؟ - هو جنتلمان.
ناپیژندل شوی مخ