وكانت ترجو أن تعرف من إجابة الفتاة الأثر الذي تركه حديث الأستاذ في نفسها، ولكنها لم تستطع أن تدرك شيئا.
ولما خلت إلى نفسها ذلك المساء تنهدت وقالت: «إن «حياة» لا تحاول إخفاء نفورها مني.»
نفورها! وما النفور إلى جانب ما صنعت هي؟ أي فعلة شنعاء! أي منكر! إنها تعرف نفسها أكثر مما يعرف الناس، وهي تعلم أنها سيئة التصرف، كثيرة الأخطاء متسرعة هوجاء، ولكن لم يسبق لها أن أخطأت خطأ منكرا كهذا الخطأ، وما لها تسميه خطأ؟ ولماذا لا تسميه باسمه الحقيقي فتقول إثم وجريمة؟ فهو جريمة شنعاء لأنه ليس أقل من محاولة تلويث شرف ابنتها والقضاء على مستقبلها في سبيل شهواتها هي، يا للفظاعة! لو أمكن فقط أن يبقى هذا سرا مكتوما، ولكنه لن يبقى كذلك لأنها في الحقيقة وإن كانت فكرت تفكير شيطان إلا أنها دبرت تدبير أطفال؛ فالرسالة التي كتبت قد تكفل لها فسخ الخطوبة ، ولكن من يضمن لها ألا يتصل خبرها بزوجها؟ ومن يضمن لها ألا يسأل الرجل ابنته عما جاء فيها؟ وإذا صارحت الفتاة أباها بأنها هي - أي أمها - التي تركتها مع المحامي ذلك اليوم، فما عسى أن يحدس الرجل؟
أواه! قد لا تكترث لغضب زوجها، ولكنها على وشك أن تفقد محبة ابنتها إلى الأبد، بل ابنها وابنتها معا؛ لأنه لا مدحت ولا أي ابن في الوجود يستطيع أن يبر بمثل هذه الأمومة المتوحشة. وأحست عند ذاك بقشعريرة تسري في جسدها، واستولى عليها ذعر لم تشعر بمثله من قبل، وباتت فريسة الآلام والمخاوف.
ولأول مرة منذ أن سمعت بنبأ خطوبة حياة اتجه تفكيرها نحو الخير فودت لو تستطيع أن تكفر عن خطيئتها ببذل التضحية الغالية، وظلت تفكر صادقة مخلصة حتى قطعت عليها تفكيرها الحوادث؛ فعند أصيل يوم من الأيام رأت المرأة ابنتها ترتدي معطفها وتتأهب للخروج، فسألتها برقة: إلى أين؟
وأجابت الفتاة قائلة: إلى السينما.
فسألتها بتعجب: بمفردك؟
فأجابتها ببرود قائلة: مع الأستاذ عاصم.
وأصاب الجواب منها مقتلا فاستولى عليها ذهول شديد، وقالت دهشة: ولكنك لم تستأذني أحدا؟
فقالت الفتاة بشيء من الجفاء: استأذنت بابا وأذن لي. - وهل طلب الأستاذ إليك أن تذهبي معه إلى السينما؟ - نعم. - متي .. وأين؟ - على جسر قصر النيل ذلك اليوم.
ناپیژندل شوی مخ