فضربت الأرض بقدميها وقالت محنقة مغيظة: أنا دائما أشكو من أعصابي.
فضيق عينيه ورفع حاجبيه وقال في تهكم: ربما كان ذلك لعلة غير الزواج.
فغلبها الغضب واشتد بها الانفعال وقالت بصوت متهدج: باختصار لن تتم هذه الخطوبة.
ولكن الزوج صر على أسنانه الصناعية وقال: لقد أطلقت لك الحبل على غاربه، وملكتك حريتك الكاملة، وقلت لك منذ عامين «أنت وشأنك» .. ولكني لم أتنازل عن حقوقي كوالد، ولا أفكر في التنازل عنها، وإني لأشفق من أن تضيع على ابنتي مثل هذه الفرصة الذهبية؛ ولذا فإني أعلمك - وإني أعني ما أقول - بأني سأعقد هذه الخطوبة.
فقامت غاضبة وأشارت إليه بيد مرتجفة وصاحت: وأنا أؤكد لك بأنها لن تتم.
فهز الرجل كتفيه استهانة وغادر المكان وهو يقول: سنرى.
وصبرت الهانم حتى عاودها شيء من هدوئها، ثم دعت إليها ابنتها وحدثتها حديثا طويلا عن حبها لها وحدبها عليها وتوخيها ما ينفعها وإشفاقها مما يضرها، ثم خلصت إلى ما دعتها - في الحقيقة - من أجله، فأعلنتها بأنها لا توافق على زواجها، وأنها ترغب في تأجيله بضع سنين خوفا على صحتها، ورجتها رجاء حارا أن ترفض يد ذلك الشاب ولا تذعن لإرادة والدها.
وصمتت الفتاة صمتا بليغا، ولاذت به من الرفض أو القبول، وعبثا حاولت المرأة أن تخرجها من صمتها، ولكنها فهمت منه ومما طالعت في وجهها من الحزن والاستياء ما أشفى بها على اليأس والقنوط.
ولبثت الفتاة في حضرتها ما لبثت ثم غادرت الغرفة ولم تنفرج شفتاها عن غير التحيتين .. تحية اللقاء التي نطقت بها في مسرة وفرح، وتحية الوداع التي قالتها في صوت خافت بارد .. وجن جنون الأم وازدادت تشبثا وعنادا، ووقفت من الزواج موقف المقاطعة والتحدي .. فلما جاء الشاب الخطيب لزيارتها أبت أن تقابله كما رفضت مقابلة أهله من بعد، واضطر البك إلى انتحال الأعذار الكاذبة لها، وبذل الرجل ما في وسعه لإقناعها بالتحول عن عنادها وتوسل إليها باسم ابنتها، ولكنها ركبت رأسها وأبت أن تصغي إليه حتى انفجر مرجل الرجل وأقدم على الإفضاء بالحقيقة إلى شريكه - والد الخطيب - وشكا إليه قسوة امرأته التي تضحي بسعادة ابنتها في سبيل شبابها الكاذب .. وطلب إليه أن يعاونه على إتمام الزواج - رغم إرادة الأم - إنقاذا للفتاة من أنانية أمها المتوحشة.
وذاعت هذه الكلمة التي قيلت سرا في جميع الأوساط الراقية، وتحدثت بها «الصالونات» حتى بلغت أذني الأستاذ عاصم المحامي الذي بلغها بدوره إلى روحية هانم نفسها، ولكن لم يكن هذا - ولا ما أصبح يبديه مدحت وحياة من الاستياء والنفور - إلا ليزيدها عنادا وإصرارا .. ووجدت المرأة أن كل ما قيل وذاع لم يغن فتيلا في عرقلة الساعين إلى إتمام الزواج، وكانت ترى في نجاح مسعاهم القضاء الأخير على سعادتها وشبابها وغرامها، فانبرت للدفاع عن نفسها دفاع البائس المستميت، واهتدت - في قنوطها - إلى فكرة جهنمية شريرة لا تخطر على قلب أم أبدا، وسارعت إلى تنفيذها بقلب أعماه الخوف والجنون عن البصر بالعواقب؛ فقصدت يوما إلى عشيقها وطلبت إليه أن يقنع ابنتها بالعدول عن الزواج، وقد دهش الرجل وحق له أن يدهش، وقال لها: وما أنا ولهذا؟ .. ثم إنه لم تسبق له معرفة وثيقة بالآنسة حياة؛ فلا أدري والحالة هذه كيف يجوز لي أن أحادثها فيما هو من صميم حياتها الخاصة؟
ناپیژندل شوی مخ