١٦٨ - وكان شرف الملك بن الهمام قد اختص نديمًا ذكيًا فاضلًا، وكان أحد أصحابه منهومًا بالباه، فاتباع فاتباع يومًا شحم السقنقور، وعرف شرف الملك ذلك فقال لنديمه: فلان بلا سقنقور كما تعلم، فإذا تناول السقنقور هات رجلك! فقال النديم: بل هات نساءك! ثم أفاق لغلطة فأظلمت عليه الدنيا، فوانسه شرف الملك، ولم يظهر له قبحًا ولا تنكرًا.
١٦٩ - ونقل عن المدائني أنه قال: تمثل خالد بن طليق قاضي البصرة في مجلس المهدي:
إذا القرشيُّ لم يضرب بعرقٍ ... خزاعيِّ فليسَ من الصَّميم
قال: فغضب المهدي حتى ظنوا أنه قاتله، فقال خالد بن طليق:
إذا كنتَ في دارٍ فحاولتَ رحلةً ... فدعها، وفيها إن أردتَ معادُ
قال: فسكن غضبه.
١٧٠ - عن الهيثم بن عمرو بن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن دغفل البكري قال: حمى النعمان بن المنذر ظهر الكوفة، فكان يقال له خد العذراء، ينبت الشيح والقيصوم وشقائق النعمان! قال: فخرج النعمان يسير في ذلك الظهر فإذا هو بشيخ بخصف نعلًا، فقال: ما أولجك ها هنا؟ قال: طرد النعمان الرعاء فأخذوا يمينًا وشمالًا فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاء من الأرض، فنتجت الإبل وولدت الغنم ونتطلب السمن! والنعمان متلثم لا يعرفه الرجل .. قال: أو ما تخاف من النعمان.؟ قال: وما أخاف منه؟ والله لربما لمسته بيدي هذه بين عانة أمه وسرتها كأنه أرنب جاثم! فحسر عن وجهه فإذا خرزات ملكه، وقد هاج وجهه غضبًا، فلما رآه الشيخ قال: أبيت اللعن، لا ترى أنك قد ظفرت بشيء! لقد علمت العرب أنه ليس فيما بين لا بتيها شيخ واحد هو أكذب مني! فضحك النعمان من قوله، ثم مضى ولم ينله بمكروه.
١٧١ - وحدثني أبو الفوارس أحمد بن كتيلة العلوي الحسيني قال: مرض ابن عم لي علي بن ناصر بن زيد بن كتيلة، فجئت أعوده، فلقيت ولده، فسألته الوصول فقال: إنه قد أغمي عليه، وقعدنا جميعا على دكة في دهليز داره، فأنشدت على سهو مني:
إنَّا إلى اللهِ راجعونا ... كانَ الذي خفتُ أنْ يكونا
أضحى المرجّى أبو عليٍّ ... موسَّدًا في الثَّرى دفينا
لمّا انتهى واستوى شبابًا ... وحقَّقَ الرَّأيَ والظنونا
دافعتُ إلاَّ المنونَ عنهُ ... والمرءُ لا يدفعُ المنونا
ثم استرجعت فرأيت أنني قد غلطت في إنشادي الأبيات، فقلت لابنه معتذرا إليه: والله ما أنشدت الأبيات إلا على سهو مني! فقال لي: هو أوكد! وخرجت من عنده ووصلت داري، ولم ألبث حتى سمعت ناعيه، ثم خرجت مع ولده وجماعة من الناس خلف جنازته، فقال لي ولده: والله إنني منذ أنشدت الأبيات أيست منه!
١٧٢ - وحدث علوية المغني قال: كنت مقتولا لولا كرم المأمون لا محالة، فإنه دعاني آخر جلسة جلسها وهو بدمشق، وقد عزم على الخروج إلى البذندون، ودعا مخارقا فقال: غنياتي، فسبقني مخارق وغنى:
لمّا تذكَّرت بالدَّيرين أرَّقني ... صوت الدَّجاجِ وضربٌ بالنَّواقيسِ
فقلتُ للرَّكبِ إذ جدَّ المسير بنا ... يا بعدَ يبرينَ من بابِ الفراديسِ
قال: وجننت فغنيت بشعر فيه:
الحينُ ساقَ إلى دمشقَ وما ... كانتْ دمشقُ لأهلنا بلدا
فضرب المأمون بقدح في يده الأرض، وقال يا غلام أعط مخارقا ثلاثة آلاف درهم، وأخذ بيدي، فقمت، ودمعت عين المأمون وقال للمعتصم: ما أظنني يا أبا إسحق أرى العراق أبدا:
1 / 43