آلاف دينار مع ثمن الجارية، وجعلت تحت الأرض خمسة آلاف دينار، وابتعت ضياعا ومستغلا بعشرين ألف دينار تغل لي كل سنة مقدار نفقتي التي تراها، وأمري يمشي على هذا! وأنا في طلبك منذ سنة، ما عرفت لك خبرا، فإنني أحببت أن ترى رجوع حالي ونعمتي ثم لا أعاشرك يا ماص بظر أمه أبدا!! يا غلمان برجله! فجروا والله برجلي وأخرجوني مسحوبا؛ فكنت بعد ذلك أراه راكبا فيضحك مني، ولم يعاشرني ولا لتلك الطبقة جميعها!.
١٦٥ - وحدث أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن العباس قال: كان أبو عصمة العكبري الخطيب غالبا على أبي القاسم بن الحواري، ومنزله في الطيبة مشهور، قال: حدثني أن أبا عمر القاضي خطب لابن رائق الكبير على ابنة قيصر الكبير بحضرة المقتدر فأطال وأبلغ، وكان يوما حارا؛ فلما انقضت الخطبة قيل له: اخطب على الابنة الأخرى للأخ الآخر؛ فكره الإطالة لئلا يضجر الخليفة، وأراد التقرب إليه، فحمد الله تعالى وقرأ آية من القرآن وعقد النكاح، فنهض المقتدر مبادرا لشدة الحر، ووقع ذلك التخفف عنده ألطف موقع لأبي عمر. قال: وعاد ابن الحوري إلى داره، وجئت وجلست معه أحادثه وأتطايب له على عادتي وأغمزه، فقال: جرى اليوم لأبي عمر كل جميل، ووصفه الخليفة وقرضه واستحسن إطالته في الخطبة الأولى وإيجازه في الثانية، وقال: مثل هذا الرجل وفيه هذا الفضل لم لا نزيده في الإحسان إليه؟ فقررت معه أن نزيده في أرزاقه وأعماله كذا وكذا، وأمرني بتنجز ذلك له من الوزير! قال: وكان ابن الحواري صديقا لأبي عمر، فلما سمعت ذلك دعتني نفسي إلى أن أسبق بالخبر إلى القاضي، لأستحق البشارة منه وأتقرب إليه، فطال علي الوقت حتى نام أبو القاسم، وقمت وركبت وجئت إلى أبي عمر، فأنكر مجيئي ذلك الوقت، وعلم أنه لمهم، فأوصلني وجلست وهنأته وحدثته بالحديث، فقال أبو عمر: أطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأحسن جزاء أبي القاسم، ولا عدمتك! فاستقلت شكره، وولد لي ذلك فكرا مغما بأن لي في وجهه من التعجب مني، فلما خرجت ندمت ندما شديدا وقلت: سر للسلطان أفشاه إلى رجل عنده في منزلة الوزراء، فباح به ذلك الرجل إلي وحدي، لأنسه بي، لا يسره إشفاؤه، ولعله هو أراد أن يعيد على القاضي، فبادرت أنا بإخراجه إليه، "إنا الله وإنا إليه راجعون" وإن راح أبو عمر يشكره على ذلك ويذكره به علم أن ذلك من فعلي، وبأي صورة يتصورني؟ أليس يراني بصورة مخرج سر، وإخراج السر في الخير والشر والفرح والغم والجيد والرديء واحد، وربما أداه ذلك إلى استثقالي واطراحي وتجنبي واحتشامي وقطع معيشتي وحجابي، وإذا فعل ذلك من يرغب في، ومن يستخدمني بعده ويدخلني داره وقد علم أني طردت لإفشاء سر لا يعلم ما هو!! ما لي إلا أن أرجع فأتدارك غلطي وزلتي وجهلي وغفلتي وحمقي وهفوتي، وأسأل القاضي ألا يظهر أنه علم بذلك، قال: فرجعت إليه، فحين وقع ناظره علي قال: يا أبا عصمة ولا حرف!! فعلمت أنه علم بما جئت له، وحسب لي ما حسبته لنفسي، وعرف من جهلي وغلطي ما عرفته أنا من زللي وخطلي، فشكرته وعجبت من صحة حدسه وزيادة عقله، وانصرفت.
١٦٦ - وحدث أبو الطيب بن هرثمة أنه سمع الباغندي الأب المحدث يقول لجارية كانت تخدمه، وقد حرد عليها: قد ذهب زمانك الذي كنت تخضبين فيه خديك بالكتلتين، أراد: الكلكون!.
وسمعه أيضًا قال في حديث حدث به قوله: "وفاكهة وأبا" فقال: وفاكهة وأتا!
١٦٧ - وحكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة فمدحته فأجزل عطيتي من الثياب والدنانير، وبين يديه جام خسرواني فرآني ألحظه، فرمى به غلي وقال خذه، فقلت:
وكل خير عندنا من عنده
فقال عضد الدولة: ذاك أبوك! فبقيت متحيرًا لا أدري ما أراد، فجئت أستاذًا لي فشرحت له الحال، فقال: ويحك قد أخطأت خطيئة عظيمة، لأن هذه الكلمة لأبي نواس يصف كلبًا حيث يقول:
أنعتُ كلبًا أهلهُ من كدَّهِ ... قد سعدت جدودهم بجدّهِ
وكل خير عندهم من عندهِ
قال: فعدت متشحًا بكساء، ووقفت بين يدي الملك أرعد، فقال: مالك؟ قلت: حممت الساعة! فقال: هل تعرف سبب حماك؟ فقلت: كنت أنظر في شعر أبي نواس فحممت! فقال: لا تخف فلا بأس عليك من من هذه الحمى! فسجدت له وانصرفت.
1 / 42