وعلى بضعة أميال من جبل طارق ترى مدينة طنجة قائمة على البحر في بر العدوة من ثغور الغرب الأقصى، وأول أرض إفريقية يقع نظر الخارج من القارة الأوروبية عليها فينتقل السائح انتقالا فجائيا من مدنية راقية إلى مدنية مشعثة منحطة، وليس بين القارتين الأوروبية والإفريقية إلا مجاز صغير كان العرب يسمونه الزقاق.
اغتنمت فرصة انتظار الباخرة الإنكليزية التي تسافر من جبل طارق إلى مارسيليا في يومين فزرت طنجة، وطوفت في أرجائها، وسكانها اليوم نحو أربعين ألفا، فيهم كثير من الإسبانيين والبرتغاليين والفرنساويين، وهي من المدن التي استعمرها الفينيقيون فيما مضى، ولا تزال محتفظة بطرازها الشرقي على كثرة ما تداول عليها من الأمم بعد الإسلام؛ فقد استولى عليها البرتغاليون سنة 1471م، والإنجليز سنة 1622، وحاصرها الفرنسيون سنة 1884، وبقيت منذ ذاك الحين في يد المراكشيين، وهي الآن مشاع لكل الدول أو تحت حمايتهم، وينازعها الفرنسيون والإسبان كما يتنازعون على السبق في حماية بلاد الغرب الأقصى، ويقيم فيها كثير من معتمدي الدول والسلاطين المخلوعين من أمراء المسلمين في الغرب الأقصى أمثال مولاي عبد العزيز ومولاي الحفيظ.
نعم، إن المراكشيين ما زالوا في هذا الثغر وما وراءه من البلدان على تصلبهم في عاداتهم رغم التيار الشديد الهاجم عليهم من أوروبا، وهم منها على ثلاث ساعات بحرا لا يفصلهم عنها إلا بحر الزقاق، وبين طنجة والجزيرة الخضراء اثنا عشر ميلا «وهو أضيق موضع فيه، وأوسع موضع فيه نحو ثمانية عشر ميلا» قال الفقيه المرادي المتكلم القيرواني بعد خلاصه من بحر الزقاق ووصوله إلى مدينة سبتة:
سمعت التجار وقد حدثوا
بشدة أهوال بحر الزقاق
فقلت لهم قربوني إليه
أنشفه من حر يوم الفراق
فلما فعلت جرت أدمعي
فعاد كما كان قبل التلاق
الفصل الثاني والعشرون
ناپیژندل شوی مخ